مع عدد ربيع الأول سنة 1435هـ - فبراير سنة2014م - أهدت مجلة الأزهر قراءها كتاب الشيخ الأكبر محمد الخضر حسين- شيخ الأزهر الأسبق- :(ضلالة فصل الدين عن السياسة).
وبقدر ما سعد الكثيرون بهذا الكتاب، فلقد أثار بعض الإنتقادات والتساؤلات - من بعض العلمانيين – عن موقف الأزهر من علاقة الدين بالدولة والسياسة..الأمر الذى استوجب تقديم عدد من الحقائق الكاشفة عن هذا الموقف تجاه هذا الموضوع.. وهى حقائق ننجزها فى عدد من النقاط.. أهمها:
أن علاقة الدين بالدولة والسياسة لم تكن مثارة فى الفكر الإسلامي قبل الإحتكاك بالحضارة الغربية اثناء الغزوة الإستعمارية الحديثة، فالمسلون - على مر تاريخهم - قد أبدعوا علما هو "علم السياسة الشرعية" الذى يعالج "فقه الواقع المتغير", ويضبط حركته ومستجداته بضوابط "فقه الأحكام".. ولقد قدمت مجلة الأزهر- ضمن هداياها إلى قرائها في الأشهر القريبة الماضية ثلاثة من أهم الإبداعات هى (السياسة الشرعية) للعلامة الشيخ عبد الوهاب خلاف، و(السياسة الشرعية والفقه الإسلامي) للشيخ عبد العال عطوة.
فلما حدث الاحتكاك بالنموذج الحضاري الغربي، وعرفت بلادنا مذاهب الغرب فى علاقة الدين بالدولة والسياسة - من الكهانة الثيوقراطية التى تدمج الدين بالدولة، فتقدس السياسة، وتحكم بالحق الإلهي ..إلى العلمانية التي تفصل الدين عن الدولة والسياسة فصلا تاما – قدم الأزهر المنهاج الإسلامي الوسطي الرافض لكل من الثيوقراطية والعلمانية معا، وأكد على أن الإسلام دين وشرع، ومنهاج شامل للحياة، وأن الدولة والسلطة فى الإسلام مدنية.
ولقد صاغ الشيخ محمد عبده نظرية الإسلام فى هذه العلاقة عندما قال: "إن الإسلام دين وشرع، فهو قد وضع حدودا ورسم حقوقا، ولا تكتمل الحكمة من تشريع الأحكام إلا إذا وجد قوة لإقامة الحدود وتنفيذ أحكام القاضى بالحق وصون نظام الجماعة، والإسلام لم يدع ما لقيصيرلقيصر، بل كان من شأنه أن يحاسب قيصر على ماله، ويأخذ على يديه فى عمله، لأن الإسلام كما هو كمال للشخص، هو ألفة فى البيت ونظام للملك.. والإسلام لم يعرف تلك السلطة الدينية التى عرفتها أوروبا، والتى يسميها الإفرنج "ثيوكرتيك" - أى سلطان إلهى- لأن الحكم فى الإسلام مدني من جميع الوجوه، ولا يجوز لصحيح النظر أن يخلط سلطة الخليفة عند المسلمين بالثيوقراطية الأروبية وسلطانها الإلهى".
هكذا حدد الإمام محمد عبده الطبيعة المدنية للدولة الإسلامية، مع احتكام "فقه الواقع" إلى ثوابت "فقه الأحكام"، لتقدم السياسة الشرعية الإسلام "كمالا للشخص، وألفة للبيت، ونظاما للملك"، دونما كهانة ولا ثيوقراطية تقدس الدولة والسياسة، وتعزل الأمة عن أن تكون مصدر السلطة والسلطان.
ونبه الإمام محمد عبده على تميز هذا الموضوع الإسلامى عن كل النماذج التى عرفتها الحضارات الأخرى، فقال:"إن هذا النموذج قد امتازت به الأمم التى دخلت فى الإسلام عن سواها من الأمم التى لم تدخل فيه".
وعندما صدر كتاب الشيخ على عبد الزراق ( الإسلام وأصول الحكم ) سنة 1925م داعيا إلى علمنة الإسلام، ومدعيا أنه "دين لا دولة، ورسالة لا حكم، وشريعة روحية محضة" وقال: "يا بعد ما بين السياسة والدين" وواصفا عبارة: "دع ما لقيصر لقيصر" بأنها "الكلمة البليغة".
اتفقت جماعة كبار العلماء بالأزهر على رفض هذه الدعاوى، بل وأخرجت صاحبها من زمرة العلماء.. فلما عاد الشيخ على عبد الرزاق إلى إعلان "أن الإسلام دين تشريعى, وإنه يجب على المسلمين إقامة شرائعه وحدوده، وإن الله خاطبهم جميعا بذلك، ويجب على المسلمين إقامة حكومة منهم تقوم بذلك"..عاد الأزهر فرد إليه شهادة العالمية من جديد.
و لقد ظل الشيخ علي عبد الرازق رافضا إعادة طبع كتابه هذا حتى انتقل إلى جوار ربه.. بل وذهب إلى وصف عبارة: "أن الشريعة الإسلامية هى رسالة روحانية محضة" بأنها "كلمة ألقاها الشيطان على لسانه"!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة " المصريون "