في صحيح ابن خزيمة وابن حبان وغيرهما عن عبد الله بن بسر عن أخته، وهي الصماء قالت: قال النَّبي صلّى الله عليه وسلّم: (لا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إلاّ فِي فَرِيْضَةٍ، وَإنْ لَمْ يَجِدْ أحَدُكُمْ إلاّ عُودَ كَرْمٍ أوْ لِحَاءَ شَجَرَةٍ فَلْيُفْطِرْ عَلَيْهِ).
هذا الحديث يتعارض مع أحاديث مُتنوِّعةٍ تُجيز صيام السَّبت، ومنها الحديث الّذي أشار إليه الحاكم بأنَّه معارضٌ لهذا الحديث، حيث قال عند روايته :"صحيحٌ على شرط البُخاريِّ ولم يُخرِّجاه، وله مُعارضٌ بإسنادٍ صحيحٍ قد أخرجاه: حديث همام عن قتادة عن أبي أيوبٍ العَتَكِيِّ، عن جُويْرِيَّة بنت الحارث أنَّ النَّبيَّ - صلّى الله عليه وسلّم - دخل عليها يوم الجُمعة وهي صائمةٌ فقال: "صُمْتِ أمْسِ"؟ قالت: لا، قال: "فَتُرِيْدِينَ أنْ تَصُومِي غَدَاً "؟ قالت: لا، قال: "فأفطري" أخرجه البخاري في الصحيح من حديث شعبة.
وأما قول الحاكم إنه على شرط الشيخين ولم يخرجاه فقد قال الألباني: هو سهو قطعا , فإن السند يأباه؛ لأن ثورا ليس من رجال مسلم.
ومما يعارضه الحديث الّذي أخرجه البُخاريُّ عن أبي هُريرة قال: سمعت رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم - يقول: "لا يَصُومَنَّ أحَدُكُمْ يَوْمَ الجُمُعَةِ إلاّ يَوْمَاً قَبْلَهُ أوْ بَعْدَهُ " والذي بعد الجمعة هو يوم السبت فدل على جواز صيامه مع غيره.
فظاهر هذين الحديثين متعارض مع الحديث السابق إذ إن الحديث السابق ينهى عن صوم يوم السبت مطلقا في النافلة، وهذان الحديثان يجيزان صومه، ويعارضه أيضا غير هذين الحديثين أحاديث أخر مثل حديث صيام داود -عليه السلام- في الصحيحين "أنَّه كان يصوم يوماً ويُفطر يوماً"، ويلزم منه أن يقع منه صيام السبت مرتين في كل شهر ما لم يكن أكثر من ذلك، وكذلك ما رواه ابن حبان في صحيحه "صيام الأيام البِيْض من كلِّ شهرٍ"، فإنَّه لابدَّ أن يُصادف السَّبتُ أحدَ هذه الأيام إلى غير ذلك من الأحاديث المُعارضة، فما وجه الجمع لهذا التعارض الحاصل بين هذه الأحاديث؟
فقد اختلفت توجيهات أهل العلم لهذا التعارض بناء على اختلافهم في صحة الحديث وضعفه فحديث النهي عن صيام يوم السبت إلا في الفريضة مختلف في ثبوته فقد أعله بعض أهل العلم بأن له معارضا بسند صحيح وبقول مالك: هذا الخير كذب وبقول النسائي: مضطرب فقيل عبد الله بن بسر وقيل عنه عن أبيه وقيل عنه عن الصماء (أخته) وقيل عنهما عن عائشة، ووقع اضطراب في الجواب عن الاضطراب، قال ابن حجر : وبالجملة فهذا التلون في حديث واحد بسند واحد مع اتحاد المخرج بوهن روايته ويضعف ضبطه إلا أن يكون من الحفاظ المكثرين المعروفين بجمع الطرق وهنا ليس كذلك, وعلى هذا فمن ذهب إلى القول بضعفه فلا إشكال بعد ذلك عنده؛ فالحديث الضعيف لا يعارض الحديث الصحيح.
وأما القائلون بصحته فاختلفت توجيهاتهم للحديث والتوفيق بينه وبين الأحاديث الأخرى فمن قائل بالنسخ ومن قائل بالترجيح ومن قائل بالجمع.
فذهب الإمام أبو داود السجستاني إلى أنه من باب الناسخ والمنسوخ فجعل حديث النهي عن صيام يوم السبت إلا فيما افترض منسوخا بما صح من الأحاديث المعارضة له، وحمله بعض أهل العلم على تخصيصه بالصوم من غير أن يرد فيه ندب ولا استحباب، قال الترمذي: ومعنى كراهته فى هذا أن يخص الرجل يوم السبت بصيام لأن اليهود تعظم يوم السبت.
وممن صححه من المتأخرين المحدث ناصر الدين الألباني رحمه الله، وقال بمقتضاه فمنع من صيام يوم السبت نافلة مطلقا سواء كان مفردا أو مقرونا، حتى لو وافق يوما يشرع صومه كيوم عرفة أو العاشر من محرم أو صيام الست من شوال فيفطر السبت ثم يواصل صومه، وجمع بينه وبين حديث جويرية السابق بأن هذا الحديث حاظر وحديث جويرية مبيح، والقاعدة في مثل هذا تقديم الحاظر على المبيح، ويشكل على هذه القاعدة أن العلماء يقدمون الجمع -إن أمكن- على الترجيح، والجمع ممكن هنا بحمل النهي على إفراده فقط، بأن يفرده دون الجمعة أو يوم الأحد، وهذا ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله، فقال: إذا صام مع يوم السبت يوماً آخر فلا بأس، كأن يصوم معه الجمعة أو يصوم معه الأحد.