بداية هذا العصر مع سقوط دولة الخلافة العثمانية سنة 1924 للميلاد، وإلى يومنا هذا.. وإنما اعتبرنا هذا التاريخ بداية للعصر الحديث لأن سقوط الخلافة كان الحدث الأكبر وله الأثر الأعظم على الدعوة وعلى الإسلام والمسلمين في العالم أجمع.
ولا شك أن الدعوة كان قد أصابها قصور كبير وتأخر واضح مع ضعف دولة الخلافة في آخر عهدها، وتكالب الدول الغربية والكافرة عليها، ولكن مع ذلك بقيت الدولة ترعى الدعوة مع ضعفها، وبسقوط الخلافة قامت هجمات شرسة على الإسلام تريد محوه من الوجود خصوصا في بلد الخلافة، وحدثت انتكاسة كبيرة عن طريق الدول التي استعمرت دول الإسلام، وعن طريق أذناب الغرب في بلاد المسلمين، والذين كانوا أشد شراسة على الإسلام وأهله من الكفار الأصليين.
لقد عانت الدعوة والدعاة كثيرا، وقامت السلطات بمحاربة الإسلام كدين، ومطاردة دعاته والتنكيل بهم، وكانت هذه سمة يمكن أن نصفها بالعموم، إلا ما رحم الله، ومن هنا كان التأريخ للدعوة في العصر الحديث بسقوط الخلافة كعلامة بارزة وحادثة فارقة.
صعوبة التأريخ للدعوة
الكلام عن الدعوة في هذا العصر من الصعوبة بمكان، وذلك لكثرة الدعوات التي قامت بعد سقوط الخلافة، ما بين دعوات فردية وأخرى جماعية، ودعوات رسمية في بعض الدول وأخرى شعبية، واختلاف المنهج بين دعوات تبليغية وأخرى تعليمية أو تطبيقية، ونظرا لاتساع رقعة التتبع لتشمل جميع بلدان العالم، وزاد من صعوبة الأمر قلة وجود دراسات متخصصة بصورة وافية، وإن كان بعض الفضلاء قد تناول هذا المبحث مثل الأستاذ أنور الجندي، والأستاذ محمد قطب، والأستاذ أبو الحسن الندوي وأبو الأعلى المودودي والأستاذ محمد محمد حسين والأستاذ محمود شاكر وغيرهم.
غير أن أكثر هذه الكتابات كان يتناول حياة أفراد كالأستاذ حسن البنا، أو يتناول بعض الحركات كحركة الإخوان المسلمين في مصر، أو يتناول الدعوة في قطر من الأقطار.. وكل هذا لا يعطي صورة حقيقية، ولا يفي بانطباع كامل عن حال الدعوة في هذا العصر ككل، وإن كان يعطي صورة عن ملامح الدعوة في هذه الحقبة..
ومن أهم تلك الملامح:
أ ـ عدم توقف الدعوة رغم فداحة المصيبة بسقوط الخلافة، وتكالب الكفار وأذنابهم على الإسلام ودعاته، بل قامت جهود لنشر الدين، وتعليمه للناس، والدعوة لتطبيقه.
ب ـ تنوعت الحركات الدعوية تنوعا كبيرا، ما بين حركات فردية وجماعية، وبين رسمية وشعبية، بحيث لم يخل منها قطر من الأقطار.
ج ـ تنوعت المناهج والأساليب والوسائل من حركة إلى أخرى، فكان منها الجزئي والشمولي والدعوي والسياسي.
د ـ كثرة الوقوع في الأخطاء العملية لأسباب مختلفة، أهمها: حداثة التجربة، التدخل الخارجي، والضغط الداخلي، وأحيانا بسبب تعجل النتيجة، أو الاستجابة للاستفزاز، والتعرض للاحتواء.
هـ ـ كثرة التحديات نتيجة لسياسة الملاحقات، وسياسة تجفيف منابع الدعوة الفكرية والمادية، مع ضعف الإمكانات وقلة مصادر الدعم.
و ـ اتخذ الأعداء سبيلين لغزو الأمة:
الأول: عن طريق إيجاد نخبة ذات قلب وفكر غربي، تتولى قيادة مواقع التأثير في البلاد الإسلامية، صنعوها على أعينهم وكان نواتها المبتعثين للدراسة في الغرب.
الثاني: إيجاد ركائز محلية رباها الاستعمار واستخلفها كأذناب له لقيادة البلاد والتبشير بالفكر الغربي والتبعية للغرب وحضارته.
ولكن وعلى الرغم من كل ذلك كان للحركات الدعوية دور هام وأثر كبير في المحافظة على دين الناس، ومقاومة الحملات التغريبية.
تنبيه:
كانت هذه أهم ملامح الدعوة في هذه الحقبة التاريخية الهامة، بيد أن هناك أمرين لابد من التنبيه عليهما:
أولهما: بشريات لزرع الأمل في القلوب، تمثلت في:
. الصحوة الإسلامية العامة: بعودة كثير من المسلمين إلى دينهم، وذلك في كثير من الأقطار، وزيادة الوعي بينهم، والإعلان بالمناداة بالعودة إلى الدين والمطالبة بتحكيمه بينهم وسياستهم على ضوء أحكامه.
. انهيار الشيوعية، وهزيمتها على يد الإسلاميين في أفغانستان، ونهايتها كمنهج حياتي معتبر.
. عوامل التفسخ في الحضارة الغربية والتي تؤذن بقرب زوالها، كسنة ربانية لا تتخلف.
. الوعود الربانية والنبوية بعودة الدين مرة أخرى وانتصاره على محاربيه ومناوئيه.
ثانيهما: كثرة العقبات الخارجية التي واجهت الدعوات الإسلامية، وتنوعها وتعدد جهاتها، لا يمنع من وجود عقبات داخلية كثيرة تحتاج إلى معالجة، وهو ما سنتناوله في مقالات قادمة إن شاء الله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
المدخل إلى علم الدعوة (البيانوني)
أصول الدعوة (عبد الكريم زيدان)