لعلك أحببت في مرة من المرات أن تقرأ عن تاريخ دولة من الدول الإسلامية في الماضي، فما الذي تفعله غالبًا؟ من المحتمل أنك ستتصفح الكتب من المكتبات، أو قد تقوم بالبحث عبر موقع جودريدز عن كتاب مقترح ، ولربما تسأل صديقًا لديه اهتمام بالمجال الذي تبحث عنه، في كل الأحوال فأنت قد لجأت للكتب لتروي شغفك، إلا أنك بعد قراءتك لكتاب أو اثنين ستجد في نفسك حاجة إلى التعمق وقراءة المزيد، مرحلة ترغب فيها بالعودة مباشرة إلى الأخذ من المصادر التي عاصرت الأحداث، تلك المصادر المُدونة بالعربية عن هذه الدول الإسلامية الكبيرة التي تأخذك في رحلة إلى أعماق الماضي بروح ناسبت هذا الزمان وأسلوب أدبي يساعدك على رسم شكل لطبيعة هذه الحياة.
تحب التاريخ الأندلسي فلابد أن تذهب إلى نفح الطيب للمقري التلمساني أما في حالة كونك من عشاق التاريخ المملوكي فستذهب إلى بدائع الزهور لابن إياس. تهوى دمشق وبهاءها وتاريخها العريق ستذهب إلى تاريخ دمشق لابن عساكر، أما لو كنت تعشق بغداد وتاريخ علماء بغداد العظام فسيكون تاريخ بغداد للخطيب البغدادي هو ما تبتغي.
قد تختلف هذه الكتب في القرون التي كُتبت فيها إلا أن الأصل المشترك بينها أن لغة الضاد هي لغتها، احتفظ بهذه المعلومة جيدًا لأني سأطرح عليك سؤالًا: ما لو أحببت أن تقرأ عن تاريخ العُثمانيين أو عن دولة الصفويين أو عن مغول الهند الإسلامية، فما هي المصادر التي ستعود إليها؟
الدولة العثمانية المجهولة لأحمد آق كوندوز -مُترجم-، أو تاريخ الدولة العثمانية ليلماز أوزتونا -مُترجم-، أو الدولة العثمانية من النشوء إلى الانحطاط لخليل إينالجيك -مُترجم-.
أما عن دولة الصفويين فستذهب إلى تاريخ الدولة الصفوية في إيران لسهيل طقوش، أو إيران وعلاقتها الخارجية في العصر الصفوي لنصر الله فلسفي -مُترجم-، أما لو كُنت من محبي تاريخ مغول الهند فستذهب إلى تاريخ مغول القبيلة الذهبية والهند لسهيل طقوش، أو الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام لعبد الحي الحسني -لشموله تراجم لشخصيات العصر المغولي في الهند الإسلامية تحمل في ثناياها بعض الأحداث التاريخية-.
يتضح جليًا الفرق بين النوع الأول والثاني من الكُتب فأنت تذهب مباشرة في تاريخ بغداد ودمشق وتاريخ الأندلس والدولة المملوكية إلى المصدر والمعين الذي يتزود منه المؤرخين رأسًا، أما في حالة الدولة العثمانية والصفوية والمغولية فستذهب إلى مراجع كُتبت اعتمادًا على المصادر أو على مراجع أخرى، والسبب البسيط في هذا أنك لا تعرف أسماء المصادر ولا تعرف كيف تقرأها؛ لأنها لم تُكتب بالعربية.
هذه الدول الكبيرة التي تركت بصمات هامة في العالم الإسلامي حتى الوقت الحاضر كانت تعتمد اللغة التركية العثمانية والفارسية على الترتيب كلغتين رسميتين لتدوين أحداثها، كما أن مؤرخيها وكُتَّاب وقائعها الرسميين الذين لم يكتبوا بداخل إطار البلاط كانوا يعتمدون اللغتين كذلك في تدوين تواريخهم، وقد تركوا إرثًا كبيرًا مدونًا للأحداث التي عَلِموها ولا نعلم نحن عنها شيئًا اللهم بعض الترجمات القليلة جدًا التي تمت لهذه المصادر والتي يشغل جُلها رفوف مكتبات الجامعات كرسالة ماجستير أو دكتوراه.
أما على الناحية المقابلة لمؤرخي الغرب فنجد أنهم كانوا يسعون إلى نقل أمهات كتب التواريخ الإسلامية أو أجزاء منها إلى لغتهم منذ القرن الثامن عشر، فمثلًا نجد أن نسبة تعتبر كبيرة من نتاج مؤرخي التاريخ المغولي في القرن السابع عشر -وهي فترة هامة وغزيرة بالإنتاج التاريخي لتاريخ دولة المغول- قد نُقلت إلى الإنكليزية نجد أيضًا أن كُتب التاريخ العثماني المصدرية أمثال رحلة سياحتنامه للرحالة العثماني أوليا جلبي التي تُرجم أجزاء كثيرة منها إلى أكثر من لغة أوروبية في حين أنه لم يُترجم منها للعربية سوى الجزء الخاص بمصر وصفحات من الجزء الخاص برحلته إلى الشام ونقل عن الكردية الجزء الخاص برحلته إلى كوردستان في حين أن الرجل قد زار عشرات الأقطار والمدن الأخرى في هذه الرحلة التي استمرت ما يقرب من 44 عامًا.
نحن بحاجة كبيرة إلى مؤسسات تتولى الترجمة والإشراف والنشر لأمهات هذه الأصول التاريخية؛ لنعتمد عليها في رسم خريطة واضحة المعالم لشكل هذه الدول الإسلامية الكبيرة كأداة تساعدنا على معرفة نقاط التقائها وكيف أدارت مؤسساتها المجتمع والأرض في محاولة منا لربط نهر الماضي بحاضرنا الذين نعيشه دون أن يكون هناك جسور تعيق عملية الربط هذه، وهو أمر لا نستطيع من دونه أن نفهم كيف وصلنا إلى هذه النقطة التي نعيش فيها في عالمنا الحاضر.