عندما انعقد المؤتمر الصِّهْيَوني الأول في بال، كانت صورة اليهودي في نظر الرأي العام العالمي صورة كريهة؛ فقد كان رمزًا للجشع والطمع، والمكر والخُبث، والأنانية والحقد، وكان اليهود في كل مكان يوجدون فيه موضع احتقار الناس وكراهيتهم؛ بسبب احتكارهم لمعظم الفعاليات الاقتصادية التي تتحكَّم في أقوات الناس، وكانت الشخصية اليهودية الكريهة مثار التندُّر والتهكُّم في المجتمعات الأوربية قاطبة، وكان الشعراء والأدباء يكرسون كراهية الناس للشخصية اليهودية في الكثير من شِعرهم وإنتاجهم الأدبي، وكانت رواية "تاجر البندقية" لشكسبير، التي يمثل فيها التاجر "شيلوك" الشخصيةَ اليهودية الجشعة الحاقدة، أبرزَ مثال على ذلك.
فكيف نجح اليهود في خلال فترة ليست بتلك الكبيرة جدا من "غسل دماغ" الرأي العام العالمي، وخاصة الأمريكي منه والأوروبي، وتغيير صورة اليهودي في عينه وفكره، من ذلك الإنسان البخيل، الخبيث، الماكر، الجشِع، سفاك الدماء، الأناني والجبان إلى صورة الإنسان الذكي، الشجاع، العبقري، المثابر، المخترع، العالم، الطموح والإنساني؟!
لقد ناقش الأستاذ زياد أبو غنيمة في كتابه الرائع والمتخصص " السيطرة الصهيونية على وسائل الإعلام العالمية" هذا الأمر، كما أنه ناقش موضوع السيطرة اليهودية الكاملة على كل وسائل الإعلام العالمية تقريبا بصورة منهجية وأكاديمية وبحثية رائعة، تستحق أن يكون هذا الكتاب مرجعا لمن أراد يوما أن يعرف تلك الحقائق ولمن أراد أن يواجه هذه التحكم اليهودي الجبار على هذه الوسائل.
وفي هذه المسألة "تغيير الصورة اليهودية أمام العالم" كان القرار الأساس فيها ولكل تمكين جماهيري لليهود يعتمد على مسألة هائلة هي التحكم والسيطرة التامة على كل وسائل الإعلام في العالم.
يقول الأستاذ أبو غنيمة فيما نقله عنه الأستاذ محمد خير رمضان: "إن نجاح اليهود في ذلك لم يكن من قَبيل المصادفة، مثلما أنه لم يتم بسهولة، وإنما تحقق نتيجة سنوات طويلة قضاها اليهود في التخطيط والتهيئة، وبذل جهود مضنية لتنفيذ تلك المخططات".
ونقل قول "راشورون" اليهودي في خطاب ألقاه في مدينة براغ عام 1869م: "إذا كان الذهبُ هو قوتنا الأولى للسيطرة على العالم، فإن الصحافة ينبغي أن تكون قوتنا الثانية".
وقد أبدى حكماءُ - بل خبثاء - بني صِهْيَون اهتمامًا كبيرًا بدراسة ظاهرة انتشار موجة الكراهية للشخصية اليهودية.. فرأوا أن السيطرةَ على وسائل الإعلام - وخاصة التي كانت أقوى أقنية الاتصال الجماهيري آنذاك - ستُعطيهم مجالاً واسعًا لعملية "غسل الدماغ" و"قلب الحقائق"، وتمخضت آراؤهم عن عدة قرارات أدرجت تحت البند الثاني عشر من مقررات المؤتمر الصِّهْيَوني الأول، وهي التالية:
. إن القنوات (أي وسائل الإعلام) التي يجد فيها الفكر الإنساني ترجمانًا له يجب أن تكون خالصة في أيدينا.
. إن أي نوع من أنواع النشر أو الطباعة يجب أن يكون تحت سيطرتنا.
. الأدب والصحافة هما أعظم قوتين إعلاميتين وتعليميتين خطيرتين، ويجب أن تكونا تحت سيطرتنا.
. يجب ألا يكون لأعدائنا وسائل صحفية يعبرون فيها عن آرائهم، وإذا وجدت فلا بد من التضييق عليها بجميع الوسائل لكي نمنعها من مهاجمتنا.
. لن يصلَ طرَفٌ من خبر إلى المجتمع من غير أن يمرَّ علينا؛ فالأخبار تتسلمها وكالات قليلة تتركز فيها الأخبار من كل أنحاء العالم، وحينما نسيطر عليها، لن تنشر إلا ما نختاره نحن من هذه الأخبار.
. لا بد لنا من الهيمنة على الصحافة الدورية حتى تصبح طوع بنانا، تُهيجُ عواطف الناس حين نريد، وتثير المجادلات الحزبية الأنانية التي تخدُمُ مصالحنا حين نريد، ونسيطر بواسطتها على العقل الإنساني.
. ستكون لنا جرائد (صحف) شتى تؤيد الطوائف المختلفة، من أرستقراطية وجمهورية وثورية، بل وفوضوية أيضًا، وستكون هذه الجرائد مثل الإله الهندي فشنو، لها مئات الأيدي، وكل يد ستجُسُّ لنا نبض الرأي العام المتقلِّب.
. سنصدر نشراتٍ تهاجمنا، وتعارضنا، ولكن بتوجيه اتهامات زائفة ضدنا، مما سيتيح لنا الفرصة لكي نقنع الرأي العام بأن كل من يعارضنا لا يملِكُ أساسًا حقيقيًّا لمناهضتنا، وإنما يعتمدون على الاتهامات الزائفة.
. يجب أن نكون قادرين على إثارة عقل الشعب عندما نريد، وتهدئته عندما نريد، وسنفعل ذلك بطبع أخبار صحيحة أو زائفة حسبما يوافق غرضنا، وسننشر الأخبار بطُرقنا الخاصة، بحيث يتقبلها الشعب ويصدقها، ولكننا يجب أن نحتاط جيدًا قبل ذلك لجسِّ الأرض قبل السير عليها.
. يجب أن نشجع ذوي السوابق الخُلقية على تولي المهام الصحفية الكبرى، وخاصة في الصحف المعارضة لنا، فإذا تبيَّن لنا ظهور أية علامات للعصيان من أيِّ واحد منهم، سارعنا فورًا إلى الإعلان عن مخازيه الخُلقية التي نتستر عليها، وبذلك نقضي عليه، ونجعله عبرةً لغيره.
هل حققوا مرادهم؟
وبعد مرور هذا الزمن على تلك المقررات هل نستطيع أن نقول إن اليهود حققوا مرادهم؟
الحقيقة التي لا مرية فيها أن الإجابة هي نعم وبكل تأكيد، وبأقصى ما يمكن.
لقد استولى اليهود تماما على وكالات الأنباء العالمية، والصحافة، وشبكات التلفزيون والإذاعة، وصناعة السينما، والبرامج التلفزيونية، والمسرح، وصناعة الطباعة والإذاعة، وصناعة الطباعة والنشر والتوزيع، والموسوعات، ومؤسسات الاستشراق، والمنابر الكنسية، ومؤسسات الدعاية والإعلان، ووسائل إعلامية أخرى يصعب تصنيفها تحت أي من الوسائل السابق ذكرها، ودانت السيطرة الصِّهْيَونية على هذه الوسائل، واستطاعوا بكل اقتدار استخدامها في إدارة مصالحهم وتوجيه الرأي العام العالمي لصالحهم، وتهديد وفضح كل من يقف في وجههم أو يعارض مشروعاتهم، وإلا صرعته وسائل إعلامهم وفضحته وهاجمته في كل مكان حتى تسقطه بالضربة القاضية، فلم يعد أحد يجرؤ أن يناوئهم أو أن ينازعهم أو يعارضهم، ولم يتركوا لأحد مجالا أن يدخل هذا المجال لينافسهم أو يناطحهم.