وفاة الكاتب الكبير خالد محمد خالد 9 شوال سنة 1416هـ (1996):
كاتب إسلامي شهير اتسمت كتاباته بأسلوب رشيق بديع، وقدرة فائقة على التعبير والغوص إلى جوهر الأشياء، ووصفها بيسر وروعة واقتدار
نفع الله بكتاباته نفعًا كبيرًا، وتلقفها القراء في شوق؛ لأنها - ككل أعماله - اتسمت بالإخلاص، وتدفقت بالعاطفة الصادقة الجياشة والأسلوب الجذاب البديع.
وأشهر مؤلفاته، وأكثرها انتشارًا هي الإسلاميات التي جاءت فريدة في بابها من حيث الأسلوب، وطريقة التناول، وأشهرها على الإطلاق "رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم" الذي تحدث فيه باقتدار عن سيرة ستين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
اسمه و مولده
اسمه : خالد محمد خالد ثابت
كان مولده يوم الثلاثاء 27 رمضان سنة 1339 هـ، الموافق 15 يونية سنة 1920ميلادية في "العدوة"، إحدى قرى محافظة الشرقية بمصر، والتي تبعد عن الزقازيق بنحو ستة كيلو مترات.
نشأته
نشأ في بيت علم وفضل وكرم وبركة، فقد كان جده من علماء الأزهر، وكان والده -الشيخ محمد- كريمًا جوادًا مهابًا محبًّا للصالحين.
رُزِق الشيخ محمد ستة من الأولاد وبنتًا واحدة، وقد سمَّى أحدَ هؤلاء باسم «خالد»، رجاء أن يصير كجده «خالد» عالمًا، وُيجدد في الناس ذكراه.
التحق خالد بكُتَّاب القرية حيث أمضى به سنوات، حفظ في أثنائها قدرًا من القرآن، وتعلم القراءة والكتابة، ولما شب عن الطوق عقد والده عزمه على أن يُلحقه بالأزهر الشريف.
كان أخوه الأكبر «حسين» يقيم في القاهرة، فقرر والده أن يسافر مع أخيه «حسين» إلى القاهرة، كي يشرف بنفسه على تحفيظه كتاب الله العظيم.
أتم خالد حفظ كتاب الله، شرط الالتحاق بالأزهر في خمسة أشهر -كما بين ذلك مفصلًا في مذكراته- ثم التحق بالأزهر الشريف في سن مبكرة، وظل يدرس فيه على مشايخه الأعلام طيلة ستة عشر عامًا، إلى أن تخرج فيه سنة 1947م من كلية الشريعة، وكان آن ذاك زوجًا وأبًا لاثنين من أبنائه.
وبعد التخرج في الأزهر عمل بالتدريس؛ لأنه -كما ذكر بنفسه- كان يؤمن بأن التدريس مهنة رفيعةُ القدر، وبقى في التدريس حتى تركه نهائيًّا عام 1954م، حيث عُيِّن في وزارة الثقافة مستشارًا للنشر، ولكنه ترك الوظائف نهائيًّا بالخروج الاختياري إلى المعاش عام 1976م، ورفض كلَّ العروض المغرية التي بُذلت له لشغل وظائف قيادية في الدولة، سواء في حكم عبد الناصر أو السادات، ورفض -أيضًا- عروضًا أخرى كثيرة، وأسفارًا يسيل لها اللعاب، وآثر أن يبقى في حياته المتواضعة البسيطة التي يغلب عليها الزهد والتقلل.
"من هنا نبدأ" ورجوعه إلى الحق.
منذ كتابه الأول "من هنا نبدأ" خرج خالد محمد خالد على الناس ككاتب فذ، وصاحب فكرة، لكنه أحدث ضجة كبيرة و صخبا هائلا بهذا الكتاب الذي جعل الشيخ محمد الغزالي رحمه الله يكتب ردا عليه بكتاب (من هنا نعلم).
وطبع "من هنا نبدأ" ست طبعات في سنتين اثنتين، وتُرجم في نفس السنة التي صدر فيها إلى الإنجليزية في أمريكا، وكتبت عنه عدة رسائل وأبحاث جامعية ومقالات في أنحاء متفرقة من أوروبا وأمريكا.
ولكن فطرة المؤلف النقية ونيته الصادقة جعلاه – فيما بعد – يقول إنه عندما رأى حفاوة أعداء الإسلام بالكتاب أدرك أنه أخطأ فيه.
وهنا يتجلى واحد من مواقفه التي امتلأت بها حياته، إذ ظل يفكر فيما دعا إليه فيه من فصل الدين عن الدولة ويقلبه في ذهنه حتى أعلن على الملأ رجوعه عن هذا الرأي، فلم يخجل – وهو الكاتب الكبير – من أن يعلن أنه أخطأ، وراح يصحح ذلك الخطأ بكل قوته، فلم يترك وسيلة من وسائل إذاعة هذا التصحيح إلا أتاها من مقالات أو تحقيقات صحفية أو إذاعية أو تليفزيونية.
ثم لم يكتف بهذا كله؛ فكتب كتابًا كاملاً أعلن فيه تصحيحه لرأيه الأول، وراح يدلل على أن الإسلام دين ودولة، بل إنه جعل عنوان الكتاب هو "الإسلام دين ودولة"( حق وقوة. ثقافة وحضارة. عبادة وسياسة. )
من أقواله المأثورة في كتبه :
• "إني لا أرفض إنسانًا لأن فيه خطأ أو اثنين أو عشرة، وأرفض معه بقية فضائله، فقد توجد فيه فضيلة واحدة تزن صلاح مائة عابد".
• "الله سبحانه لا يعيق المهاجرين إليه، والمسافرين إلى رضوانه، بل يجعل لهم الأرض مهدًا والسماء سُبلاً".
• "لابد للحب كي يصفو ويدوم أن يكون خالصًا، صافيًا، نقيًا، وبكلمة واحدة: أن يكون لله رب العالمين".
• "كما ننام نموت.. وكما نستيقظ نُبعث.. ومن كان في شك من الموت والبعث، فليعش إن استطاع بلا نوم وبلا استيقاظ".
• "إننا من طول ما ألفنا بعض الآيات القرآنية، وبعض الأحاديث النبوية، أصبحنا لا نهتز من أعماقنا للسر الباهر الذي تحمله والحكمة الثاقبة التي تمنحها".
• "لا تجد مؤمنًا إلا حييًا، ولا منافقًا إلا عديم الحياء".
• "الإسلام لم يأتِ ليعلمنا أخلاق الصوامع، بل ليعلمنا أخلاق المدينة".
• "الكذب مفسدة مطلقة؛ لأنه سريع النمو، سريع الانتشار، وله ضراوة كضراوة الخمر أو أشد".
• "الرياء آفة تمحق الأعمال وتردها ترابًا في تراب".
• "التواضع نعمة من الله يهبها لكبار النفوس".
• "الإيمان بالقدر لا يقول لك: نم وانتظر قدرك. بل يقول: قم واكتشف قدرك".
• وسُئل عن القومية العربية فأجاب: "إني لا أعرف شيئًا عن القومية العربية، ولكني أعرف أشياء عن الوحدة الإسلامية".
مؤلفاته :
ترك – رحمه الله – ثروة علمية كبيرة تربو على ثلاثين كتابًا، غير المقالات والأحاديث الكثيرة التي لم تُجمع بعد ، وقد ترجمت بعض هذه الكتب إلى لغات كثيرة في أنحاء عديدة من العالم.
وهذه قائمه بأسماء كتبه:
1. من هنا نبدأ.
2. مواطنون.. لا رعايا.
3. الديمقراطية، أبدًا.
4. الدين للشعب.
5. هذا .. أو الطوفان.
6. لكي لا تحرثوا في البحر.
7. لله والحرية (ثلاثة أجزاء).
8. معًا على الطريق محمد والمسيح.
9. إنه الإنسان.
10. أفكار في القمة.
11. نحن البشر.
12. إنسانيات محمد.
13. الوصايا العشر.
14. بين يدي عمر.
15. في البدأ كان الكلمة.
16. كما تحدث القرآن.
17. وجاء أبو بكر.
18. مع الضمير الإنساني في مسيره ومصيره.
19. كما تحدث الرسول.
20. أزمة الحرية في عالمنا.
21. رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم.
22. في رحاب علي.
23. وداعًا عثمان.
24. أبناء الرسول في كربلاء.
25. معجزة الإسلام عمر بن عبد العزيز.
26. عشرة أيام في حياة الرسول.
27. والموعد الله.
28. خلفاء الرسول.
29. الدولة في الإسلام.
30. دفاع عن الديمقراطية.
31. قصتي مع الحياة.
32. لو شهدت حوارهم لقلت.
33. لقاء مع الرسول صلى الله عليه وسلم
34. إلى كلمة سواء.
35. قصتي مع التصوف.
36. أحاديث قلم.
37. الإسلام ينادي البشر (الجزء الأول: إلى هذا الرسول)، وكان هذا آخر كتبه ، وقد أراد له أن يخرج في ثلاثة أجزاء:
الأول: "إلى هذا الرسول صلى الله عليه وسلم".
الثاني: "إلى هذا الكتاب" (القرآن).
والثالث: "إلى هذا الدين".
ولكنه لم يتمكن إلا من كتابة الجزء الأول، ثم وافته المنية.
وفاته :
كان رحمه الله قد مرض مرضًا طويلاً، واشتد عليه المرض في سنواته الأخيرة، إلى أن كانت وفاته وهو في المستشفى ليلة الجمعة 9 شوال سنة 1416هـ الموافق 29 فبراير سنة 1996م عن عمر يناهز 76 عامًا.
وكان من وصيته أن يُصلى عليه في الجامع الأزهر فصُلي عليه بالجامع الأزهر عقب صلاة الجمعة ، ثم سافروا به - رحمه الله - إلى الشرقية، ليدفن بقريته (العدوة ) كما هي وصيته رحمه الله.