والذين آمنوا أشد حبا لله

12/10/2025| إسلام ويب

أصل المحبة المحمودة التى أمر الله تعالى بها وخلق خلقه لأجلها: هى محبته وحده لا شريك له، المتضمنة لعبادته دون عبادة ما سواه؛ فإن العبادة تتضمن غاية الحب بغاية الذل، ولا يصلح ذلك إلا لله عز وجل وحده.
ومحبة الله سبحانه، والأنس به، والشوق إلى لقائه، والرضا به وعنه هو أصل الدين وأصل أعماله، كما أن معرفته سبحانه والعلم بأسمائه وصفاته وأفعاله أجل علوم الدين كلها.
فمعرفة الله أجل المعارف، وإرادة وجهه أجل المقاصد، وعبادته أشرف الأعمال، والثناء عليه بأسمائه وصفاته ومدحه وتمجيده أشرف الكلام.

المحبة أعظم واجبات الدين
ومحبة الله جل في علاه من أعظم واجبات الدين، وأكبر أصوله، وأجل قواعده.. ومن أحب معه مخلوقا مثل ما يحبه فهو من الشرك الذى لا يغفر لصاحبه، ولا يقبل معه عمل؛ قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْدَادا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ الله، وَالّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبا للهِ} [البقرة: 165] .

ولا يجد حلاوة الإيمان، بل لا يذوق طعمه، إلا من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، كما فى الصحيحين من حديث أنس رضى الله عنه عن النبى صلى الله تعالى عليه وآله سلم قال: (ثَلاَثٌ مَنْ كُن فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَة الإيمَانِ: أَنْ يكون اللهُ وَرَسُولُهُ أحَبَّ إلَيْهِ مَّمِا سِوَاهُما، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إلا للهِ، وأَنْ يَكْرَهَ أنْ يَرْجِعَ فى الْكُفْرِ بَعْدَ إذْ أَنُقَذَهُ اللهُ تعالى مِنْهُ، كما يَكْرَهُ أَنْ يُلقَى فى النَّارِ).

وفى الصحيحين أيضا عنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: (وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أكُونَ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجَمَعِينَ).

ولهذا اتفقت دعوة الرسل من أولهم إلى آخرهم، على عبادة الله وحده لا شريك له.. وأصل العبادة وتمامها وكمالها هو المحبة، وإفراد الرب سبحانه بها، فلا يشرك العبد به فيها غيره.

بين محبة الله ومحبة غيره
وكما أنه سبحانه ليس كمثله شيء، فليس كمحبته وإجلاله محبة وإجلال ومخافة.. بل إن محبة المخلوق إذا لم تكن لله فهى عذاب للمحب ووبال عليه، وما يحصل له بها من التألم أعظم مما يحصل له من اللذة، وكلما كانت أبعد عن الله كان ألمها وعذابها أعظم.

وأما محبة الرب سبحانه فشأنها غير هذا الشأن، فإنه لا شيء أحب إلى القلوب من خالقها وفاطرها، فهو إلهها ومعبودها، ووليها ومولاها، وربها ومدبرها ورازقها، ومميتها ومحييها.. فمحبته نعيم النفوس، وحياة الأرواح، وسرور النفوس، وقوت القلوب، ونور العقول، وقرة العيون. وليس عند القلوب السليمة والأرواح الطيبة، والعقول الزاكية أحلى، ولا ألذ، ولا أطيب، ولا أسر، ولا أنعم من محبته والأنس به، والشوق إلى لقائه.

والحلاوة التى يجدها المؤمن فى قلبه بذلك فوق كل حلاوة، والنعيم الذى يحصل له بذلك أتم من كل نعيم، واللذة التى تناله أعلى من كل لذة.. كما أخبر بعض المحبين عن حاله بقوله: "إنه ليمر بالقلب أوقات أقول فيها: إن كان أهل الجنة فى مثل هذا، إنهم لفى عيش طيب".
وقال آخر: "إنه ليمر بالقلب أوقات يهتز فيها طربا بأنسه بالله وحبه له".
وقال مالك بن دينار رحمه الله: "مساكين أهل الدنيا (أو قال أهل الغفلة)، خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها، قيل له وما أطيب ما فيها؟ قال: معرفة الله عز وجل ومحبته".
وقال إبراهيم بن أدهم: «لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من السرور والنعيم إذًا لجالدونا عليه بالسيوف».«حلية الأولياء» (7/ 370).

وإنما يجد الإنسان مثل هذه الأمور ويذوق حلاوتها بحسب قوة المحبة وضعفها، وبحسب إدراك جمال المحبوب والقرب منه، وكلما كانت المحبة أكمل، وإدراك المحبوب أتم، والقرب منه أوفر، كانت الحلاوة واللذة والسرور والنعيم أقوى.

فمن كان بالله سبحانه وأسمائه وصفاته أعرف، وفيه أرغب، وله أحب، وإليه أقرب وجد من هذه الحلاوة فى قلبه ما لا يمكن التعبير عنه، وإنما يعرف قدر ذلك من ذاق كما قيل "من ذاق عرف"، ومتى ذاق القلب ذلك لم يمكنه أن يقدم عليه حبا لغيره، ولا أنسا به، وكلما ازداد له حبا ازداد له عبودية وذلا، وخضوعا ورقا له، وحرية عن رق غيره.

لذة القلب في العبودية
فالقلب لا يفلح ولا يصلح ولا يتنعم ولا يبتهج ولا يلتذ ولا يطمئن ولا يسكن، إلا بعبادة ربه وحبه، والإنابة إليه.. ولو حصل له جميع ما يلتذ به من المخلوقات لم يطمئن إليها، ولم يسكن إليها، بل لا تزيده إلا فاقة وقلقا، حتى يظفر بما خلق له، وهيئ له: من كون الله وحده نهاية مراده، وغاية مطالبه؛ فإن فيه فقرا ذاتيا إلى ربه وإلهه، من حيث هو معبوده ومحبوبه وإلهه ومطلوبه، كما أن فيه فقرا ذاتيا إليه من حيث هو ربه وخالقه ورازقه ومدبره. وكلما تمكنت محبة الله من القلب وقويت فيه أخرجت منه تألهه لما سواه وعبودبته له.

وما من مؤمن إلا وفى قلبه محبة لله تعالى وطمأنينة بذكره، وتنعم بمعرفته، ولذة وسرور بذكره، وشوق إلى لقائه، وأنس بقربه، وإن لم يحس بذلك، لاشتغال قلبه بغيره، وانصرافه إلى ما هو مشغول به، فوجود الشيء غير الإحساس والشعور به.
وقوة ذلك وضعفه وزيادته ونقصانه: هو بحسب قوة الإيمان وضعفه وزيادته ونقصانه.

ومتى لم يكن الله وحده غاية مراد العبد ونهاية مقصوده، وهو المحبوب المراد له بالذات والقصد الأول، لم يكن قد حقق شهادة أن لا إله إلا الله، وكان فيه من النقص والعيب والشرك بقدره، وله من موجبات ذلك من الألم والحسرة والعذاب بحسب ما فاته من ذلك.

وليعلم العبد أنه لا سبيل له للوصول إلى محبة الله إلا بالاستعانة به سبحانه، والتوكل عليه، والافتقار والذل بين يديه، فإن ذلك لا يحصل إلا بتوفيقه ومشيئته، وإعانته، فإنه ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن. فلا يوصِّل إليه سواه، ولا يدل عليه سواه، ولا يعبد إلا بإعانته، ولا يطاع إلا بمشيئته. {لَمِنْ شَاءَ مِنْكُمْ أنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إلا أَنْ يَشَاءَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير: 28 - 29].
 

www.islamweb.net