مقدمات في مصطلح العقيدة وإطلاقاته
18/09/2022| إسلام ويب
العقيدة لغة: على وزن فعيلة، بمعنى مفعول أي معقود، وهو ما يعتقده الإنسان بقلبه، والمتأمل في كتب المعاجم القديمة لا يكاد يقف على كلمة العقيدة بوزن فعيلة، وإنما يجد مادة (عقد) ومشتقاتها، وكذلك الحال في الكتاب والسنة لا توجد فيهما كلمة العقيدة بهذا المصطلح، وإنما ورد في السنة حديث فيه استعمال عقد القلب أي ما يؤمن به القلب، روى الدارمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يَعْقِدُ قلب مسلم على ثلاث خصال إلا دخل الجنة، قال: قلت وما هنَّ؟ قال: إخلاص العمل لله، والنصيحة لولاة الأمر، ولزوم الجماعة، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم» ولذا عدَّ بعض العلماء لفظ: (العقيدة) من الألفاظ المولَّدة، أي التي لم تستخدم في لغة العرب بهذا الوزن.
ثم إن كل ما جاء في المعاجم في مادة (عقد) إنما يدل على معنى الشدّ والربط، تقول: عقدت الحبل إذا شددته وربطته، أما ابن فارس فقد أرجع معاني مادة عقد إلى معنى الشدة فقط فقال: "(عقد) العين والقاف والدال أصل واحد، يدل على شدّ وشدة وثوق، وإليه ترجع فروع الباب كلها".
العقيدة اصطلاحًا: لا يكاد الباحث يجد اهتمامًا كبيرًا عند علمائنا القدامى بتعريف مصطلح العقيدة؛ إلا في القليل النادر، وإنما كان اهتمامهم منصبًا على تعريف الاعتقاد، وما جاءنا عنهم من تعريف لمصطلح العقيدة هو تعريف الإيجي حيث قال في تعريفها: "ما يقصد به نفس الاعتقاد دون العمل"، ثم كرر نفس التعريف الجرجاني في كتابه التعريفات فقال: "العقائد ما يقصد فيه نفس الاعتقاد دون العمل".
وأما العلماء المعاصرون فقد عنوا عناية كبيرة ببيان تعريف مصطلح العقيدة، وكثرت اتجاهاتهم في بيان ذلك، ويمكن أن نأخذ تعريفها عند أبرز اتجاهين من تلك الاتجاهات، فمن ذلك تعريف محمد نجيب المطيعي الذي يمثل الاتجاه الذي ركَّز في تعريفها على موطن العقيدة القلب؛ فقال فيها: "المسائل التي يُقصد منها الاعتقاد دون العمل".
وكان الاتجاه الثاني قد ركَّز على العلم المشترط في العقيدة وهو اليقين، ومن ذلك تعريف عثمان ضميرية حيث قال في تعريف العقيدة: "اعتقاد جازم مُطابق للواقع لا يقبل الشك أو الظن"، ومن هذا الاتجاه إبراهيم البريكان حيث عرَّف العقيدة بأنها: "هي الإيمان الذي لا يحتمل النقيض"، وعلى هذا فالعلم الذي لا يصل لدرجة اليقين لا يسمى عقيدةً.
ونظرًا لكثرة الموضوعات التي قد تدخل في علم العقيدة فإنها يصعب تقديم حد دقيق لها؛ إلا أنه يمكن أن يقال في تعريفها: "هي موضوعات التوحيد -توحيد الألوهية والربوبية والأسماء والصفات- والإيمان وما يتعلق به، والمغيبات، والنبوات، والقدر، والأصول العقدية التي وقعت المخالفة من المبتدعة فيها".
استعمال مصطلح العقيدة: سبق القول بأن بعض العلماء قالوا إن لفظ (العقيدة) من الألفاظ المولَّدة، وبالتالي اختلفت مواقف العلماء من استخدام هذا المصطلح، بين من رأى أنه لا يجوز إطلاق هذا المصطلح على هذا العلم لأنه بدعة محدثة، لم يرد له أصل في كتاب الله تعالى، ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا عند السلف الصالح. وفريق ثان رأى جواز استخدام هذا المصطلح وعدم أفضليته على غيره، بل رأى أن استخدام لفظ الإيمان أفضل من استخدام لفظ العقيدة؛ لأن لفظ العقيدة مصطلح حدث في العصر العباسي، يستلزم استخدامه فصل العنصر العقلي الذي هو القضايا العقدية التي تدل عليها الأدلة العقلية، عن العنصر النفسي الذي هو التصديق المجرد عن البرهان العقلي، ورأى أن لفظ الإيمان قد جاء في الكتاب والسنة، وهو يجمع العنصرين معًا.
ومما يرد به على الفريق الأول أن ما ذكر سابقًا في الحديث الذي رواه الدارمي يدل على أن لهذه اللفظة أصل في السنة. ويردُّ على الفريق الثاني بأن الإنسان قد يصدق بالتقليد، ومعنى الإيمان في اللغة التصديق، وذلك لا يستلزم وجود دليل عقلي. إضافة إلى ذلك يقال: إن هذا المصطلح من المصطلحات التي أنشأها علماء الإسلام للتعبير عن مراداتهم الشرعية، كمصطلح أصول الفقه، أو النحو، أو غيرها، وتنطبق عليه القواعد التي تنطبق على المصطلحات الحادثة وأهمها: عدم مخالفة المصطلح للشريعة، وأن يكون صحيح المعنى والبنية والوزن في اللغة، وهما منطبقان على مصطلح العقيدة، وقد تواردت المدارس العقدية كلها على استعماله واعتماده، وفي ذلك يقول المرداوي: "يجوز تسمية الشيء بغير التوقيف ما لم يحرمه الله تعالى، فيبقى له اسمان: توقيفي، واصطلاحي"، ويقول ابن قاضي الجبل: " قال القاضي أبو يعلى: يجوز أن تسمى الأشياء بغير الأسماء التي وضعها الله تعالى علمًا لها؛ إذا لم يقع خطر".
تقسيم الدين إلى عقيدة وشريعة: درج العلماء على تقسيم الدين إلى عقيدة وشريعة، وتتالت استعمالاتهم لذلك، وهو لا يعني تقسيمًا للدين ذاته كما فهم البعض وأنكر هذا التقسيم، وإنما هو تقسيم اعتباري تعليمي، كتقسيم الصلاة إلى أركان وواجبات وسنن، ولا يلزم من ذلك تقسيم الصلاة نفسها، ومثل هذا التقسيم له أصل في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم الدين إلى الإسلام، وإلى الإيمان، وإلى الإحسان، وهذا لا يلزم منه تقسيم الدين إلى ثلاثة أقسام، وإنما هو كما قلنا تقسيم اعتباري تعليمي، ومثل ذلك تقسيم الدين إلى شريعة وعقيدة، فهي تخصصات متداخلة تكوّن بمجموعها الدين.