العمل التطوعي في السنة النبوية

02/11/2025| إسلام ويب


جاءت الشريعة بالأوامر العينية وهي التي تطلب من جميع المكلفين بأعيانهم، كما جاءت بالأوامر الكفائية وهي التي تطلب من مجموع المكلفين، وهناك فرق بين المجموع والجميع، فالعمل الخيري التطوعي مطلوب من مجموع الأمة، بأن تقوم فئة منهم ممن تسد بهم الحاجة، فتتطوع للمصلحة العامة، في المجالات الإنسانية غير الربحية، بتقديم المساعدات المادية والمعنوية للضعفاء من أفراد المجتمع، لا سيما في الظروف الاستثنائية، كالكوارث والحروب، والأوبئة العامة، وقد جاءت الشريعة بتوجيهات كثيرة ومتنوعة في الحث على أعمال البر والإحسان، والأمر بالتعاون على الخير، وإغاثة الملهوف، وإطعام الجائع، ونصرة المظلوم، فهي منظومة متكاملة من القيم الإنسانية المثلى.

أسس العمل التطوعي:

التطوع في منفعة الآخرين من أخلاق الكمل من عباد الله، وأولهم الأنبياء والمرسلون، فقد حكى الله على لسان أنبيائه أنهم يبلغون رسالة الله ولا يسألون أحداً على ذلك أجرا، قال الله على لسان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم:  (قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) سورة: سبأ 47. وهكذا هو شأن أتباع الرسل في كل زمان، يتطوعون في منفعة مجتمعاتهم بكل خير ومنفعة، ويبتغون بذلك الأجر من الله تعالى.

من خلال نصوص كثيرة يتبين أن العمل التطوعي الذي يتعدى نفعه للآخرين له الأولوية في الإسلام على النوافل الذاتية القاصرة، فنوافل العلم أولى من نوافل الصلاة والصيام وقراءة القرآن في حال التعارض، لما في العلم والتعلم من منافع عامة ومتعدية، ولذلك يترتب على أعمال البر والإحسان للآخرين من الثواب ما لا يترتب على غيرها من الأعمال الخاصة بالمكلف، ففي المعجم الكبير للطبراني عن ابن عمر، أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله أي الناس أحب إلى الله؟ وأي الأعمال أحب إلى الله عز وجل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعا، ولأن أمشي مع أخ لي في حاجة أحب إلى من أن أعتكف في هذا المسجد، يعني مسجد المدينة، شهرا، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه، ولو شاء أن يمضيه أمضاه، ملأ الله عز وجل قلبه أمنا يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى أثبتها له أثبت الله عز وجل قدمه على الصراط يوم تزل فيه الأقدام».

ومما يؤسس للأعمال التطوعية، أن السنة النبوية جعلته من لوازم الإيمان ومقتضياته، فالمؤمن يشعر بالمسؤولية تجاه الآخرين، وفي الأدب المفرد عن عبد الله ابن الزبير قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع» وفي رواية المعجم الكبير عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما آمن بي من بات شبعانا وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به».

فالمسلم شأنه النفع للآخرين قدر استطاعته، وهذا شأنه على الدوام، كما في صحيح مسلم عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه». وروى أيضا عن عدي بن حاتم: «من استطاع منكم أن يستتر من النار ولو بشق تمرة فليفعل».

نماذج وأمثلة للعمل التطوعي في السنة النبوية:

ورد في النصوص الحث على البر والإحسان عموما، كما ورد الحث على أعمال تطوعية بعينها على وجه التفصيل، ومن ذلك:

التطوع في مجال بناء المساجد، روى الترمذي وغيره عن عثمان بن عفان، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من بنى لله مسجدا بنى الله له مثله في الجنة».

التطوع في مجال كفالة الأيتام، في الصحيحين سهل بن سعد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا» وقال بإصبعيه السبابة والوسطى.

التطوع في مجال إطعام الجائع، وكسوة العاري، ففي مسند الإمام أحمد عن صهيب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خيركم من أطعم الطعام، أو الذين يطعمون الطعام»وفي سنن أبي داود عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أيما مسلم كسا مسلما ثوبا على عُرْي كساه الله من خُضْر الجنة، وأيما مسلم أطعم مسلماً على جوع أطعمه الله من ثمار الجنة، وأيما مسلم سقى مسلما على ظمإ سقاه الله من الرحيق المختوم».

التطوع في مجال إصلاح الطرقات وإماطة الأذى عنها، روى الطبراني عن معقل بن يسار، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أماط أذى عن طريق المسلمين كتب له حسنة ومن تقبلت منه حسنة دخل الجنة».

التطوع في مجال الوقف في سبيل الله، روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من احتبس فرسا في سبيل الله إيمانا بالله وتصديقا بوعده فَإِنَّ شِبَعَهُ وَرِيَّهُ وَرَوْثَهُ وَبَوْلَهُ فِي مِيزَانِه يوم القيامة».

التطوع في مجال الدعوة إلى الله، ونشر الهدى بين الناس، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا». وروى أيضا عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان».

التطوع في مجال الجهاد في سبيل الله، وحماية ثغور المسلمين، كما في سنن النسائي وغيره، عن سلمان الخير، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من رابط يوما وليلة في سبيل الله كان له كأجر صيام شهر وقيامه، ومن مات مرابطا أجري له مثل ذلك من الأجر، وأجري عليه الرزق، وأمن من الفَتَّان».

التطوع في مجال التعلم والتعليم، في صحيح ابن حبان عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض والحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر».

التطوع في مجال المبادرة الفاعلة في أعمال البر والإحسان، ففي صحيح مسلم عن جرير ابن عبد الله البجلي قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر النهار، فجاءه قوم حفاة عراة مُجْتَابِي النِّمَارِ أَوِ الْعَبَاءِ، متقلدي السيوف، عامتهم من مضر، بل كلهم من مضر، فتمعَّر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة، فدخل ثم خرج، فأمر بلالا فأذن وأقام، فصلى ثم خطب فقال: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة} [النساء: 1] إلى آخر الآية، {إن الله كان عليكم رقيبا} [النساء: 1] والآية التي في الحشر: {اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله} [الحشر: 18] «تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره - حتى قال - ولو بشق تمرة» قال: فجاء رجل من الأنصار بِصُرَّةٍ كادت كفه تعجز عنها، بل قد عَجَزَتْ، قال: ثم تتابع الناس، حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل، كأنه مذهبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سن في الإسلام سنة حسنة، فله أجرها، وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء».

 

www.islamweb.net