أبو المعالي الجويني إمام الحرمين

30/09/2024| إسلام ويب

الإمام الجويني أحد كبار أئمة المذهب الشافعي، مجمع على إمامته متفق على غزارة علومه وتفننه فيها.
قضى معظم حياته في نيسابور بإقليم خراسان بإيران، وكان شيخ المدرسة النظامية التي أنشأها الوزير نظام الملك لنصرة السُنة في إيران.
وقيل في شأنه: «الفقه فقه الشافعي والأدب أدب الأصمعي والوعظ وعظ الحسن البصري».
كان رحمه الله رائداً مجدداً في أكثر من فن: في الفقه، وفي الأصول، وفي علم الخلاف والجدل، وفي السياسة الشرعية، وفي علم الكلام، كما كان له الأثر بما صنف من مؤلفات ظلت تحمل علمه وفكره على مر العصور والدهور، وكانت زاداً، ومرجعاً لمن جاء بعده، واقتفى أثره، رأينا أثر هذه المؤلفات، في آثار كثير من الأئمة، وبخاصة أنجب تلاميذه حجة الإسلام الغزالي، فمؤلفاته تحمل فكر شيخه وعلم إمامه.
اسمه ولقبه ونسبته
إمام الحرمين أبو المعالي ضياء الدين عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني النيسابوري
- لقب بإمام الحرمين لأنه هاجر من بلده إلى مكة والمدينة في محنة أحاطت بالعلماء حين وشى بهم الواشون إلى السلطان وبدأوا بالقبض عليهم وسجنهم فخرج مهاجرا من نيسابور بصحبة 400 قاض ومفت وظلوا «4» سنوات في مكة والمدينة فكانوا يقدمونه للصلاة بهم فلقب بإمام الحرمين.

والجويني نسبة إلى «جوين» القريبة من نيسابور لأن والده عبد الله ولد فيها، وعاش فيها شطراً من حياته، وتلقى هناك علومه الأولى في العربية وآدابها، ثم في الفقه على المذهب الشافعي وعلم الكلام. وبعد تطوافٍ في بعض مدن خراسان في طلب المزيد من العلم استقر بعبد الله المقام في نيسابور منذ عام 407هـ/1016م.
نشأته
ولد إمام الحرمين رضي الله عنه في ثامن عشر المحرم سنة 419 تسع عشرة وأربعمائة للهجرة، وكانت ولادته في نيسابور من أشهر مدن إقليم خراسان، ذلك الإقليم الذي كان من مدنه: هراة، ومرو، وبلخ، وطالقان، ونسا، وأبيورد، وسرخس، وغيرها.
أسرة علمية
فوالده هو الإمام أبو محمد عبد الله بن يوسف بن محمد الجويني، كان إمام عصره في نيسابور، تفقه على أبي الطيب سهل بن محمد الصعلوكي، وأبي بكر عبد الله بن أحمد القفال المروزي، وقرأ الأدب على والده يوسف الأديب (بجوين)، وسمع أستاذَيه أبا عبد الرحمن السلمي، وأبا محمد بن بابَوَيْه الأصبهاني، وببغداد أبا الحسن محمد بن الحسين بن الفضل بن نظيف الفراء، وغيرهم
برع في الفقه، وصنف فيه التصانيف المفيدة، وشرح المزني شرحاً شافياً، وشرح الرسالة للشافعي.
أما جده، فكان علمه الذي نبغ فيه وعرف به علم الأدب، قال ياقوت وهو يترجم لوالد الإمام: إنه قرأ عليه الأدب في جوين، فجده أديب مرموق، ووالده فقيه أصولي.
نبوغ مبكر
تفقه في صباه على والده أبي محمد، وكان يعجب بطبعه وتحصيله وجودة قريحته، وما يظهر عليه من مَخايل الإقبال، فأتى على جميع مصنفات والده وتصرف فيها، حتى زاد عليه في التحقيق والتدقيق، وظهر نبوغه وتفوقه في سن مبكرة.
ولما توفي والده نحو 438هـ، كان الجويني قد قطع شوطاً بعيداً في مجال علوم الدين والفقه والكلام والعربية لغةً وأدباً. ونُسبت إليه بعض الأشعار. وقد مكّنه تحصيله العلمي من أن يقعد في مقعد أبيه للتدريس، وهو دون العشرين من العمر.
ولم يمنع الجويني اشتغالُه بالتدريس من متابعة التحصيل. لذلك كان يهرع بعد انتهائه من التدريس، إلى مدرسة أحمد بن الحسين البيهقي (ت 460هـ) في نيسابور، حيث كان يسعى إلى زيادة اطلاعه على علوم الكلام والفقه والحديث، والتعمق في دراسة المذهب الشافعي على أبي القاسم عبد الجبار بن علي الإسفراييني (ت 452هـ) كما كان يتردد على مجالس أبي عبد الله محمد بن علي الخبازي (ت 449هـ)، المُلقب بـ «شيخ القراء» يأخذ عنه القراءات. وكذلك كان للجويني اطلاع واسع على ما كان يُدعى في زمانه بالعلوم العقلية أو علوم الأوائل التي كانت تندرج آنذاك تحت لفظ «الفلسفة»، وكان الجويني يُنفق على نفسه، ويساعد أقرانه من طلبة العلم من كسبه لقاء عمله بالتدريس، ومن ميراث أبيه.
محنته 
اضطر الجويني إلى مبارحة نيسابور مع نحو 400 من العلماء عام 452هـ، في المحنة المعروفة بمحنة أهل السنة في أيام السلطان السلجوقي طُغرلبك (429-455هـ/1037-1063م)، عندما زيَّن له وزيره عميد الملك الكُنْدري - وكان معتزلياً متشيعاً- محاربة المذاهب الأخرى، فخرج الجويني أولاً إلى موضعٍ يدعى «المعسكر» في ظاهر نيسابور. ثم تابع رحلته إلى بغداد
ثم قصد الجويني مكة وعرج على المدينة فجلس أربع سنوات، منقطعاً إلى التدريس والإفتاء، والسعي لجمع ما كتب في المذهب الشافعي.

المدرسة النظامية 
عاد الجويني إلى نيسابور إثر وفاة طغرلبك، وحلول ولد أخيه ألب أرسلان محله في السلطة (455-465هـ/1063-1073م)، وانصرم عهد التعصب بمقتل الوزير الكندري.
فاستقدم نظام الملك وزير ألب أرسلان الإمام الجويني. وابتنى له مدرسة ليدرس فيها هي «نظامية نيسابور»، وظل الجويني يحظى بثقة السلطان وعطف وزيره، وقد أسبغا عليه أنواع الإنعام.
وتولى الخطابة بها، وكان يجلس للوعظ والمناظرة، وظهرت تصانيفه، وحضر دروسه الأكابر من الأئمة، وانتهت إليه رياسة أصحاب المذهب الشافعي، وتكاثر عليه طلاب العلم من كل ناحية، وقُدِّر عدد هؤلاء بثلاثمائة تلميذ، نبغ بعضهم فيما بعد، وفوّض إليه أمور الأوقاف، وبقي على ذلك قريبًا من ثلاثين سنة غير مزاحم ولا مُدافع، مُسلّم له المحراب، والمنبر والخطابة والتدريس ومجلس التذكير يوم الجمعة.
النهم في طلب العلم
كان الجويني يؤمن أن العلم لا نهاية له، ولا حدود، وما كان يترك فرصة يستزيد فيها علماً، إلا واغتنمها، وسعى إليها: في سنة 469 هـ، وهو في ذلك الحين إمام الأئمة، وكان قد جاوز الخمسين من عمره، في ذلك الحين قدم إلى نيسابور الشيخ أبو الحسن علي بن فَضَّال بن علي المجاشعي، النحوي، الأديب، فقابله إمام الحرمين بالإكرام، وأخذ في قراءة النحو عليه والتلمذة له، وكان يحمله كل يوم إلى داره، ويقرأ عليه كتاب (إكسير الذهب في صناعة الأدب) وكان المجاشعي يقول: " ما رأيت عاشقاً للعلم -أي نوعِ كان- مثل هذا الإمام.
مؤلفاته
لم تقف جهود الجويني في سبيل الدفاع عن الدين والسنة عند دروسه ومواعظه وخطبه، بل ترك مصنفات كثيرة في معارف متنوعة: شملت أصول الفقه، والخلاف، والجدل، والفقه، والتفسير، وغير ذلك.
وقد بلغت هذه المؤلفات أكثر من أربعين عنواناً، ومنها ما هو موجود ومنها ما هو مفقود، فمنها :
في علوم أصول الفقه: التلخيص، والبرهان، والتحفة، والورقات.
وفي علم الفقه: نهاية المطلب في دراية المذهب، ومختصر النهاية، والرسالة النظامية في الأركان الإسلامية.
وفي علم الخلاف والجدل: غنية المسترشدين والعُمد، والدرة المضية فيما وقع فيه الخلاف بين الشافعية والحنفية، والكافية في الجدل.
وفي السياسة الشرعية: الغياثي (غياث الأمم في التياث الظلم).
وفي علم الكلام: الشامل، والإرشاد، واللمع، وشفاء الغليل، والعقيدة النظامية.
وفاته
توفي الإمام الجويني ليلة الأربعاء بعد صلاة العشاء الخامس والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة ثمان وسبعين وأربعمائة (25 ربيع الآخر سنة 478هـ) فكانت حياته رحمه الله تعالى تسعاً وخمسين سنة، رحمه الله رحمة واسعة وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.

www.islamweb.net