اجتماع الأسرة في لقاءات عائلية يحوطها الوفاء والمحبة، وتلفها الرحمة والمودة، شيء يؤلف القلوب ويجمع ويزيد الحب، وينشر المودة بين أفراد الأسرة.
بعض الناس يهرب من اللقاء الأسري ومن البيت، ويخرج للبحث عن السعادة في لقاء صديق أو جلسة على قهوة، أو سهرة في لعب ورق مع الشلة، أو قضاء الوقت مع رفاق أحيانا يكونون صالحين وكثيرا طالحين، بينما السعادة الحقيقية هنا في البيت مع الزوجة والأولاد ، أو مع الأم والأب والإخوة والأخوات. إنه نداء للباحثين عن السعادة إنها هنا في بيتك فلا تبحث عنها عند الغرباء.
إن اللقاءات الأسرية والاجتماعات العائلية ترياق أو لقاح يمنع من تفكك الأسر، وتشتت الأفراد، وهدم البيوت.. وكل أفراد الأسرة يحتاج لهذه اللقاحات الروحية والنفسية أكثر من حاجته للقاحات الطبية ضد الأمراض المعدية والفيروسات الممرضة.
إن دقائق تجتمع فيها العائلة حول كوب من الشاي، أو بعض الشطائر والفطائر، أو مجرد الجلوس ليتطارح أفرادها فيها الافكار، ويتجاذبون فيها الحديث، ويتحدثون فيها عن يومياتهم ومواقفهم، ويناقشون فيها ما يعترضهم من مشكلات، أو ما يؤرقهم من أمور مهمات، أو يعكر صفوهم من هموم الحياة، ثم يتشارك الجميع في البحث عن حلول لها ومخارج من خلال حوار هادئ ونقاش مثمر، وحديث من القلب للقلب، كل هذا له أثر السحر في الترابط بين الجميع.
وقد أظهرت الدراسات الطبية أن العلاقات الأسرية القوية، تساعد على زيادة الثقة بالنفس بين الأطفال وتقلل مشاعر القلق والتوتر بينهم.
هذه الجلسات الرائعة فرص لبث الأفكار الطيبة، والقواعد الأخلاقية، والأصول التربوية، وأيضا إرساء القواعد الدينية، ونقل الخبرات الحياتية،زيادة على ما فيها من المنافع التربوية والاجتماعية، فهي تنمي الوعي لدى الأبناء، فيتعرفون على العادات والتقاليد السائدة، وتنمي لديهم القيم والمبادئ السامية في حضور هذه المجالس، كما أنها وسيلة مهمة في توعية أفراد الأسرة بكل مفيد وجديد.
إنها فرصة يزيد من خلالها التقارب بين الآباء والأبناء، وترتفع الحواجز، وتشيع الألفة وترفع الكلفة من بين أفراد الأسرة، مما يفتح الباب لطرح المشاكل والتعاون في إيجاد الحلول لها.
ومن محاسن هذه الجلسات أيضا تصفية القلوب مما قد يلحق بها من ضغائن وأحقاد، وصفاء النفوس مما قد يشوبها من سوء فهم لمواقف الآخرين، وذلك من خلال التحاور بهدوء واحتراف والتناقش بأدب والتزام.
إن هذه الجلسات لابد من البحث عنها، وتهيئة الظروف لإقامتها، والسعي الحثيث الحقيقي من أجل توافرها في البيوت كل البيوت أو على الأقل ممن يريدون الخير لأسرهم والتنشئة السليمة لأبنائهم.
ولذلك لا بد من جذب الجميع إليها صغارا وكبارا، والترغيب فيها وذلك بتنويع ما يقدم فيها والجمع بين الترفيه والعلم والفكر، والنقاشات الهادفة، وعمل مسابقات مختلفة ومتنوعة تناسب جميع الأعمار، وإثارة موضوعات تهم فئة الصغار والمراهقين، مع ترك المجال لهم للنقاش وإبداء الرأي، لننمي فيهم روح المشاركة والمبادرة، فيتعلمون أسلوب الحوار والنقاش الصحيح وتقبل آراء الآخرين وإن خالفونا، إلى جانب الاستفادة من خبرات الكبار باستشارتهم وأخذ آرائهم.
إن الحوار مبدأ تربوي ومسلك حضاري، لاستخراج ما في نفوس الأبناء ومعرفة ما يعترضهم في حياتهم، وهو أيضا وسيلة قرآنية للإقناع وإيصال الرسائل، وفتح باب النقاش لسماع الآخرين ومعرفة دواخلهم وطبائعهم وطرق تفكيرهم..
نعم.. ستكون هناك أحيانا اختلافات في طرق التفكير وأساليب التعاطي مع الأمور بين جيل الآباء وجيل الأبناء، وسيكون أيضا بلا شك تفاوت في وجهات النظر تجاه ما يجد من مستحدثات الحياة وطرائق المعيشة ووسائل التعاطي مع هذا كله بسبب الطفرات الكبيرة والقفزات الهائلة التي تزيد الفارق بين الجيلين.. فيجب التعامل مع هذا الاختلاف بعقلانية، وشيء من الانفتاح وسعة الصدر، وسماع الرأي الآخر، وإن كان مخالفا لآرائنا نحن الآباء والكبار.. ولابد من التعامل مع الواقع الجديد بحرفية ومهنية شديدة من جهة الآباء خاصة، لسد الهوة بين الجيل الحالي والجيل الماضي.
إن هذه الجلسات ليست لفرض الآراء وإعطاء الأوامر وإلقاء التنبيهات والمواعظ، وإنما هي محاولة للاحتواء والتقارب والتفاهم بين أفراد الأسرة للوصول بكل فرد إلى شاطئ الأمان، وحماية كل فرد من الأخطار التي تتهدده، وقبل كل شيء لبث روح التفاهم والتعاون والتآلف بين أفراد الأسرة ونشر أسباب السعادة فيها.
وأخيرا همسة في أذن كل صاحب أسرة: "إن السعادة الحقيقية في بيتك، فلا تذهب للبحث عنها عند الآخرين، وإذا كان ما حولك لا يبعث على السعادة والرضا فكن أنت مصدر هذه السعادة والإلهام للآخرين".