الأبراج.. خطر على التوحيد

18/09/2025| إسلام ويب

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ولا تَمُوتُنَّ إلا وأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (آل عمران: 102).

أما بعد.
الخطبة الأولى:
أيها المسلمون: إنَّ عقيدة التوحيد هي أغلى ما يملكه المؤمن، وهي أساس دين الإسلام، وقد حرصت نصوص القرآن والسنة على حماية جناب التوحيد وسد كل طريق يؤدي إلى الشرك بالله تعالى. وفي زماننا برزت ظواهر خطيرة تهدد صفاء التوحيد في قلوب المسلمين، من أخطرها: ظاهرة التنجيم والاعتقاد بالأبراج وقراءة الطالع.
لقد انتشرت في الصحف والمجلات ومواقع الإنترنت زوايا مخصصة لما يسمى "برجك اليوم" أو "حظك هذا الأسبوع". يقرأها بعض الناس عبر وسائل التواصل على سبيل التسلية، ولكنها في الحقيقة سموم قاتلة تدمر عقيدة التوحيد، وتهدم أسوار الإيمان في القلوب، لأن هذه الأبراج بما فيها من ادعاء معرفة الغيب تخالف عقيدة الإسلام مخالفة صريحة.
صرح القرآن الكريم في آيات كثيرة بانفراد الله تعالى وحده بعلم الغيب وما سيقع في المستقبل. قال سبحانه: (قُل لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) (النمل: 65)، وقال: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ) (الأنعام: 59)، وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) (فاطر: 38)، وقال أيضًا: (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا) (لقمان: 34). فالله وحده هو العالم بما سيكون، فلا يوجد أحد في السماوات ولا في الأرض يعلم الغيب مهما علا شأنه؛ لا نبي مرسل ولا مَلَك مقرب – إلا من ارتضى الله من رسولٍ بوحي، وقد انقطع الوحي بوفاة خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم –، فضلًا عن كاهن دجال أو منجّم محتال؛ لذلك كل من يدّعي معرفة الغيب أو يخبر الناس بما سيحدث لهم في المستقبل فهو كاذبٌ مفترٍ متعدٍ على حق من حقوق الله تعالى.
إن المنجمين الذين يكتبون هذه الأبراج يدّعون ضمنًا علم الغيب حين يحددون لكل برج ما سيصيبه من الحظ والأحداث، وهذا ضلال مبين يناقض التوحيد من أساسه، وقد يصل بصاحبه إلى الكفر الأكبر. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من أتى عرّافًا فسأله عن شيءٍ لم تُقبل له صلاةٌ أربعين ليلة» رواه مسلم، وقال أيضًا: «من أتى كاهنًا فصدّقه بما يقول فقد كفر بما أُنزل على محمد» رواه أحمد وأبو داود. فمجرد إتيان العرّاف والسؤال بلا تصديق يحرم المرء أجر صلاته أربعين يومًا، فكيف بمن يصدقهم ويؤمن بأقوالهم! إن من يُصَدِّقُ هؤلاء فيما يدّعون من علم الغيب فقد كذّب القرآن، وأنكر قول الله تعالى إنه وحده عالم الغيب، وذلك كفرٌ يخرج من الملة.
وقد حذّر النبي صلى الله عليه وسلم أيضًا من التنجيم وتصديق أحكام النجوم، فقال: «من اقتبس علمًا من النجوم فقد اقتبس شعبةً من السحر، زاد ما زاد» رواه أبو داود. فهذا يدل على أن تعلم التنجيم لأجل معرفة الحظوظ والأحداث هو نوع من السحر المحرّم. ولا يخفى أن السحر كفر وشرك بالله، فكيف يرضى مسلم أن يلوث عقيدته الصافية بشيء من السحر أو الشعوذة؟!
أيها المسلمون: إن ما يُنشر في أبواب الأبراج والتنجيم مجرد أباطيل وترهات يلبّس بها الدجالون على الناس دينهم ويخدعون بها العقول. على سبيل المثال:
يزعمون أن للكواكب تأثيرًا في صفات الناس وأحوالهم؛ كقولهم: "إذا كنت من مواليد برج كذا فإن وجود كوكب أورانوس في برجك الشمسي هذا الأسبوع سيجعلك عصبيًّا ومتهورًا"، وكقولهم: "كوكب زحل يمنحك النجاح والتألّق، ويزيد حكمتك وفلسفتك"!. وهذه مزاعم باطلة فيها نسبة التأثير والتدبير لغير الله.
يدّعي المنجمون تحديد أرقام حظ وأيام "سعد" لكل شخص؛ فيقولون: رقم الحظ لمولود برج الحمل هو 4 ويوم سعده الاثنين، ورقم الحظ لبرج الحوت 7 ويوم سعده الثلاثاء... إلخ. بل يحددون أيامًا في كل شهر يزعمونها أكثر حظًا، وأخرى يعتبرونها سيئة الحظ يجب تجنبها! وهذا عين التطير الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن فيه تعلقًا بأوهام لا تأثير لها.
 
لقد أثرت هذه الخرافات على سلوك بعض ضعاف الإيمان؛ فمنهم من يُقدِم أو يُحجم عن قرارات مهمة (كالسفر أو بدء مشروع تجاري) استنادًا إلى ما قرأه في برجه من "نحس" أو "سعد". وحتى العلاقات الاجتماعية لم تسلم؛ بل وصل الأمر ببعضهم إلى فسخ خِطبة فتاة لمجرد أن برجها المزعوم لا يتوافق مع برج خطيبها! وقد سعى بعض الحمقى إلى رشوة مُحرِّر صفحةِ الأبراج في المجلة ليكتب توافقًا مزعومًا يرضي الخطيبة! فتأملوا سخافة هذه الحال وانخداع أصحابها. ويظن بعض الناس أن قراءة هذه الأبراج أمر هيّن لمجرد التسلية، ويقول أحدهم: "أنا لا أصدقها لكن أطالعها من باب الفضول". وهذا تهاون خطير، فالقلب قد يتأثر مع الزمن ويصدقها دون شعور. ولهذا أفتى العلماء بحرمة مجرد النظر في الأبراج ولو للتسلية، فهي "ذريعة إلى الشرك" وسبب لغرس أوهام الكهانة في النفوس، خاصة عند الناشئة إذا سمعوها من الأهل واعتادوها. وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن مطالعة صحيفة من التوراة مع أن التوراة أصلها كتاب سماوي فيه حق، فكيف بأقوال المشعوذين الكاذبين! فواجب المسلم الإعراض عن كتب السحر والشعوذة و"أبراج الحظ" بالكلية، إلا لمن كان عالمًا يريد كشف باطلها للناس.
أيها المسلمون: لقد شدد علماء الإسلام في التحذير من الكهان والمنجمين وبيّنوا عقوبةَ من يدّعي علم الغيب. حتى إن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله ذهب إلى أن الكاهن والعراف (ومنهم المنجم) يجب قتله أو حبسه حتى يموت، ردعًا لشره عن الناس، وذلك لما في فعله من الفتنة العظيمة وإفساد عقائد المسلمين. أما من يذهب إلى العرافين والمنجمين من عامة الناس، فالواجب التفريق بين حالتين:
الأولى: إن كان يذهب إليهم معتقدًا صحة ما يقولون ومؤمنًا بأن النجوم أو الأبراج تؤثر في المقادير, فقد وقع في الشرك الأكبر والكفر بالله؛ لأنه نسب للمخلوق ما هو من خصائص الرب سبحانه، ونقض معنى شهادة أن لا إله إلا الله (أي لا خالق ولا متصرف في الكون إلا الله). فمن كانت هذه حاله بطلت أعماله حتى يتوب إلى الله توبة صادقة.
الثانية: من يطالع الأبراج بدافع الفضول أو التجربة دون اعتقاد بصحتها، فقد ارتكب معصيةً كبيرة وإثمًا عظيمًا. ويسمي بعض العلماء فعله هذا شركًا أصغر؛ لأنه وسيلة قد تجر إلى الشرك الأكبر. فلا يجوز لمسلم أن يستهين بالأمر ويقول: "أنا أقرأها دون اقتناع"، فقد حرم الشرع مجرد إتيان الكهّان والعرّافين كما مر في الحديث، حتى لو لم يصدقهم. ومن يطالعها مختارًا فإنه يصحب الشياطين وهو لا يشعر. فعلى من وقع في شيء من ذلك أن يبادر إلى التوبة النصوح والإقلاع عن هذا الذنب.
 
وننبّه هنا إلى أنه لا يجوز التكفير ابتداءً لكل من وُجد يصدق هذه الأمور حتى تُقام عليه الحجة ويُبيَّن له خطأ ما وقع فيه. فكثير من الناس قد يقعون في هذه المخالفات عن جهل أو تقليد، لا عن عناد أو اعتقاد راسخ. فالواجب نصحهم وتعليمهم برفق وحكمة أولًا، فإن أصرّ المرء بعد ذلك على إيمانه بهذه الأباطيل، حُكم عليه بالكفر لتوفر الشروط وانتفاء الموانع في حقه.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
 
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
أيها المؤمنون: يجب علينا جميعًا أن ننتبه لهذه الشرور التي تهدد عقيدتنا، وأن نحمي أنفسنا وأهلينا منها بالتوعية المستمرة والتوجيه السليم. احذروا هذه الأبراج وما شابهها، وتواصوا بتركها وهجرها. وربّوا أبناءكم وبناتكم على عقيدة التوحيد الصافية منذ الصغر، واغرسوا في قلوبهم أن النافع والضار هو الله وحده، وأن قراءة الكف والفنجان ومتابعة الأبراج إنما هي دجل وضلال لا يجر إلا الخيبة.
إن هذه الظاهرة تظهر لنا خطورة الجهل في أمور العقيدة، وأهمية تعلم التوحيد وترسيخه، فقد يظن البعض أن التوحيد متحقق بالفطرة ولا حاجة لتعلمه، ولكن الواقع يشهد أن كثيرين وقعوا في حبائل المنجمين والدجالين بسبب ضعف العلم والإيمان، ومن أجل ذلك علينا نشر العلم الشرعي وبيان خطر هذه الخرافات لكل من وقع فيها.
نسأل الله تعالى أن يحفظ لنا إيماننا وعقيدتنا من كل ما يلوّثها أو ينقضها، وأن يثبتنا على الحق المبين. إنه ولي ذلك والقادر عليه.

 

www.islamweb.net