فتنة المسيح الدجّال

12/10/2025| إسلام ويب

إنَّ الحمدَ لله نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذ بالله من شرور أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا، مَن يهدِه اللهُ فلا مُضلَّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. أوصيكم ونفسي المقصّرة أولًا بتقوى الله جل وعلا، فهي وصية الله للأولين والآخرين، (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ) [آل عمران: 102]. (يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَبَثَّ مِنۡهُمَا رِجَالٗا كَثِيرٗا وَنِسَآءٗۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِۦ وَٱلۡأَرۡحَامَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيۡكُمۡ رَقِيبٗا) [النساء: 1]. (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوۡلٗا سَدِيدٗا (70) يُصۡلِحۡ لَكُمۡ أَعۡمَٰلَكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۗ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ فَازَ فَوۡزًا عَظِيمًا (71)) [الأحزاب: 70-71].

أما بعد.
أيها المسلمون: حديثنا اليوم عن فتنةٍ ما من فتنةٍ منذ خلق الله آدم إلى أن تقوم الساعة أعظم منها، فتنة حذّر منها الأنبياء أقوامَهم، وحذّر منها خاتمُهم صلى الله عليه وسلم أمته مرارًا وتكرارًا، حتى قال: «يا أيها الناس، ما من نبي إلا قد أنذر قومه الأعور الكذاب، ألا وإنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور» رواه البخاري ومسلم. إنها فتنة المسيح الدجال، أعظم الفتن وأخطر المحن.
يخرج الدجال في آخر الزمان، في زمنٍ تضعف فيه الغيرة على الدين، ويكثر فيه الجهل، وتُرفع فيه الأمانة، وتُتّبع فيه الشهوات، ويبتعد الناس عن المساجد وعن القرآن، فيجد القلوب خاوية فيستولي عليها، ويجد النفوس ضعيفة فيسحرها بما عنده من الخوارق والأباطيل. معه جنّة ونار، جنّة يراها الناس وهي نار في الحقيقة، ونار يراها الناس وهي جنّة في الحقيقة. قال صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم: «فأما الذي يراه الناس جنّة فهي نار تحرق، وأما الذي يراه الناس نارًا فهي جنّة».
عباد الله: لقد وصفه رسولكم صلى الله عليه وسلم وصفًا دقيقًا حتى لا يلتبس أمره على المؤمنين، قال صلى الله عليه وسلم: «إنه أعور العين اليمنى، كأن عينه عنبة طافية» متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم: «مكتوب بين عينيه كافر، يقرؤه كل مسلم كاتب وغير كاتب» رواه مسلم. فهذه العلامات ليست خفية على من استضاء بنور الإيمان، لكنها تخفى على من ران على قلبه الغفلة وغطته الذنوب والمعاصي.
يمكث الدجال في الأرض أربعين يومًا، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كأسبوع، وسائر أيامه كأيامكم. قال الصحابة: يا رسول الله، كيف نصلي في يومٍ كسنة؟ قال: «اقدُروا له قدْرَه» رواه مسلم. أي تضبطون الصلوات بالوقت المقدر، فلا تضيعوا الصلاة فتكونوا من الهالكين. أرأيتم كيف يربط النبي صلى الله عليه وسلم النجاة من الفتنة بالمحافظة على الصلاة حتى مع تغير معالم الزمن؟ فالصلاة هي صلة العبد بربه، وهي الحصن الحصين من الفتن.
ومن أعظم فتنه أنه يأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، ويأمر الخراب فيخرج له كنوزها، فيفتتن الناس بذلك ويظنون أنه يملك مقاليد الكون. لكنه في الحقيقة عبدٌ عاجز، أقدره الله ابتلاءً للعباد. قال صلى الله عليه وسلم: «إن من فتنته أن يقول للأعرابي: أرأيت إن بعثت لك أباك وأمك، أتشهد أني ربك؟ فيقول: نعم، فيتمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه فيقولان: يا بني اتبعه فإنه ربك» رواه ابن ماجه. فهل بعد هذا من فتنة؟ هل بعد هذا من تضليل؟
أيها الأحبة في الله: لقد دلّنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما ينجينا من فتنته، فقال كما في صحيح مسلم: «من سمع بالدجال فلينأَ عنه، فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن، فيتبعه مما يبعث به من الشبهات». وأرشدنا صلى الله عليه وسلم إلى تلاوة أوائل سورة الكهف، فقال: «من قرأ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال» رواه مسلم. فسورة الكهف تحصّن القلوب؛ لأنها تضمنت ذكر الفتن الأربع الكبرى: فتنة الدين، وفتنة المال، وفتنة العلم، وفتنة السلطان، وهي كلها مما يستغلها الدجال ليوقع الناس.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلّم أصحابه أن يستعيذوا بالله من شر فتنة الدجال في كل صلاة، فيقول في الدعاء قبل السلام: «اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من عذاب النار، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، وأعوذ بك من شر فتنة المسيح الدجال» متفق عليه. فاجعلوا هذا الدعاء دَيدنَكم، ولا تغفلوا عنه في سجودكم وتشهدكم.
معاشر المسلمين: لا ينجو من فتنة الدجال إلا من ثبته الله بالإيمان، ومن امتلأ قلبه يقينًا بالله، وأيقن أن الخلق كلهم فقراء عاجزون، وأن الله وحده هو القادر على كل شيء. ولن يضركم الدجال ما دمتم على طاعة ربكم، متمسكين بكتاب الله، عابدين لله خاشعين، ملازمين لجماعة المسلمين، متبادرين إلى التوبة من الذنوب والخطايا.
واعلموا أن الدجال لن يدخل مكة ولا المدينة، ففي الصحيح: أن على أنقابهما ملائكة تمنعه، وفيهما يأرز الإيمان كما تأرز الحَية إلى جُحرها. فتمسّكوا بالإيمان، واستعينوا بالله، وتوبوا إليه، وأكثروا من ذكره، فإن الذكر حصنٌ للقلوب، والإيمان نورٌ في القبور، واليقين سلاحٌ أمام الفتن.
فاتقوا الله عباد الله، واعملوا لذلك اليوم، وأعدّوا للسؤال جوابًا، وللابتلاء ثباتًا، وللموقف العظيم زادًا. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
 
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي حذّر عباده من الفتن، وجعل لهم في كتابه وسنة نبيه سراجًا يهتدون به في الظلمات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، الصادق الوعد الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله: إن من أعظم ما يؤكد لنا صدق خبر النبي صلى الله عليه وسلم ما رواه الصحابي الجليل تميم الداري رضي الله عنه، فقد خرج في سفينة مع ثلاثين رجلًا من لخم وجذام، فضلت بهم الريح شهرًا في البحر حتى قذفتهم الأمواج إلى جزيرة نائية. فلما دخلوها لقوا دابةً عظيمة كثيرة الشعر، لا يُعرف رأسها من ذنبها، فقالت: أنا الجساسة، اذهبوا إلى ذلك الرجل في الدير. فدخلوا عليه، فإذا هو رجل عظيم الخلقة، مشدود بالحديد، قد جمع وثاقه بين عنقه وركبتيه، فسألهم عن بعض أخبار الشام والجزيرة العربية، وسألهم عن النبي الأمي صلى الله عليه وسلم: ماذا صنع؟ فقالوا: قد خرج من مكة وسكن يثرب، وغلب قومه. فقال: أما إنه خير لهم أن يتبعوه. ثم قال: أنا المسيح الدجال، وقد أوشك أن يُؤذن لي بالخروج، فأجُوبُ الأرض كلها في أربعين ليلة، غير أني لا أستطيع دخول مكة ولا المدينة، فإن على أنقابهما ملائكةً يحرسونهما. قالت فاطمة بنت قيس راوية الحديث: فحدثت النبي صلى الله عليه وسلم بما جرى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد وافق حديثُه ما كنت أحدثكم به عن أمر الدجال» رواه مسلم. فهذا – عباد الله – خبر من السماء يصدّق بعضه بعضًا، ويحذرنا من فتنةٍ قادمة، عظيمة البلاء، لا ينجو منها إلا من عصمه الله وثبّته على الإيمان.
عباد الله: إن فتنة الدجال عظيمة لكنها لا تغلب من اعتصم بالله. ففي الحديث: (أن الدجال يقتل رجلًا من خيار المؤمنين ثم يحييه، فيقول له: أتشهد أني ربك؟ فيقول: والله ما ازددت فيك إلا بصيرة، أنت الدجال الذي حدثنا عنك رسول الله صلى الله عليه وسلم. فيجعله الله من أعظم الشهداء). فهنيئًا لمن ثبّته الله ولم يخضع للدجال مهما أظهر من خوارق.
اللهم إنا نعوذ بك من عذاب النار، ونعوذ بك من عذاب القبر، ونعوذ بك من فتنة المحيا والممات، ونعوذ بك من فتنة المسيح الدجال. اللهم أصلح أحوال المسلمين، وألّف بين قلوبهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم. اللهم اجعلنا من الثابتين في الفتن، الناجين عند المحن، المتمسكين بدينك إلى أن نلقاك. هذا وصلّوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال عز من قائل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا). اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

www.islamweb.net