الطعن في ثوابت الإسلام ـ الصحابة ـ

03/11/2025| إسلام ويب

الخطبة الأولى

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح للأمة فكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}(102)..
أما بعد، أيها المسلمون:

حرب شعواء.. ليست كحروب السيوف والسِهام، والمدافع والطائرات، بل حرب على القلوب والعقول، على ثوابت الإسلام وأصول الدين.
حرب يُراد بها زعزعة يقين المسلمين، وتشكيكهم فيما توارثته الأجيال قرنًا بعد قرن من أصول وثوابت دينهم..
والمؤلم أن هذه السهام لم يعد يُرمى بها مِن أيدي أعداء الإسلام الظاهرين، بل يتولى كبرها ويشعل نيرانها بين الحين والآخر رجال من بني جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، قال الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ}(البقرة:204-206)..
وقد وصف الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم هذا الصنف من الناس وصفًا دقيقًا، فقال في حديثٍ طويل لحذيفة رضي الله عنه: (دُعَاةٌ على أبوابِ جهنَّم، مَن أجابهم إليها قذفوه فيها، قال حذيفة: صفهم لنا يا رسول الله؟ قال: هُم من جِلدَتِنا، ويتكلمون بألسنتِنا) رواه البخاري..
وما أصدق هذا الوصف النبوي في واقعنا اليوم، وكأنه يشير إلى أقوامٍ نراهم بيننا بوجوه مألوفة، وأسماء معروفة، لكن القلوب والنيات والغايات مختلفة .
يُضلّون وهم يزعمون الإصلاح، ويهدمون بنيان الدين باسم التنوير والتجديد..
أقلام وألسنة ماكرة، تستهدف ثوابت الإسلام وتنتقص أصول الدين ، وتختبئ خلف لافتات براقة خادعة كـ"حرية الفكر والرأي"، و"كسر قيود الظلامية، والرجعية، والتطرف"، وما هي في الحقيقة إلا سهامٌ مسمومة وأقلام مأجورة، موجهة إلى دين الإسلام: وإلى القرآن الكريم، وإلى سنة سيد المرسلين، وإلى مقام الصحابة الطاهرين، وإلى أصول الشريعة المطهَّرة، تحت دعوى "الانفتاح والتجديد"!..
فيا عباد الله: 
أيُّ فكرٍ حرٍّ هذا الذي يسيء الأدب مع الله عز وجل ويتطاول على جنابه؟
أيُّ فكرٍ هذا الذي يغمز في السنة النبوية المطهرة، ويطعن في حُجيتها؟
هل الانتقاص من مقام النبي صلى الله عليه وسلم الشريف، يُبرَّر بحرية الرأي والتعبير؟!
هل الطعن في الصحابة الكرام، الذين زكّاهم الله في كتابه، يُسمى اجتهادًا، فيقال: هم رجال ونحن رجال؟!
هل الترويج للفاحشة، والدعوة إلى الانحلال والرذيلة صارمن حرية الرأي؟!
أي حريةٍ هذه التي تهدم أركان الدين باسم التنوير، وتسبّ الصحابة باسم العقلانية؟! وتدعو للرذيلة باسم الفن والإبداع؟!
لا وربّ الكعبة، ما هذا بحرية ولا فكر، بل هو زيف وبهتان، وغوايةٌ في ثوب الهداية..
فاحذروا ـ عباد الله ـ من هذا السيل الجارف، وتلك الدعوات المضللة، وتمسكوا بدينكم..
ورحم الله الإمام مالكا يوم قال: "لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها"..

معاشر المؤمنين: نقف اليوم مع واحدة من هذه الثوابت التي يتم استهدافها، نقف مع الطعن والانتقاص من الصحابة رضوان الله عليهم..
إن من أعظم ما ينبغي على المسلم أن يوقره ويعظّمه بعد كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، هو جيل الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، الذين هم خير هذه الأمة بعد الأنبياء والمرسلين.. اصطفاهم الله لصحبة نبيّه، ولحمل هذا الدين العظيم إلى العالمين، فكانوا في حياتهم وأقوالهم وأفعالهم على الصراط المستقيم، والنهج القويم.. قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "إن الله نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمدٍ صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محَمد صلى الله عليه وسلم، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد"..
إن الطعن في الصحابة رضي الله عنهم هو طعن في حمَلة هذا الدين، ورواته، ونَقَلَة الوحي، وهو حلقةٌ من حلقات الحرب على الإسلام، يقدح بها المغرضون في هذا الدين من باب عظيم.
أولئك الصحابة الأطهار، هم الذين خاطبهم الله في كتابه العزيز فقال: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}(الأنفال:74)..
وهم الذين قال الله فيهم: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا}(الفتح:18)..
وقال عن بيعتهم: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ}(الفتح:1)، وقال: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}(التوبة:100).
وهم الذين قال الله في وصفهم: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ}(الفتح:29)..

وإذا كانت الآيات القرآنية قد بينت مكانة الصحابة عند الله عز وجل، فدعونا ننتقل لنستمع إلى شهادة سيد الخلق وخاتم النبيين صلى الله عليه وسلم في حقهم، وهي شهادة لا يرقى إليها طعن، ولا يُقبل أمامها اعتراض، شهادة الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى..
مكانة الصحابة رضوان الله عليهم عند نبينا صلى الله عليه وسلم عظيمة شامخة، لا تُدانيها مكانة.. فهم أول من لبّى نداء الإيمان، وآمن به حين كذّبه الناس، وهم الذين حملوا عنه الوحي، وحفظوا سنته، ونشروها في الآفاق، وجاهدوا في الله حق جهاده، حتى بلغ هذا الدين مشارق الأرض ومغاربها..
وقد سُئِلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أَيُّ النَّاسِ خيرٌ؟ فقال: (خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ) رواه البخاري، وفي هذا قول صريحٌ بأن جيل الصحابة هو خيرُ الأجيال على الإطلاق، لا يُلحق بهم ولا يُساويهم أحد..
بل شبّههم النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عظيم، بـالنجوم التي يهتدى بها، فقال: (النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ، فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ ما تُوعَدُ، وَأَنَا أَمَنَةٌ لأَصْحَابِي، فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي ما يُوعَدُونَ، وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي، فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتي ما يُوعَدُونَ) رواه مسلم.
نعم، فبذهاب الصحابة بدأت الفتن، وظهرت الأهواء، وبدأ الدين يُنتقص شيئًا فشيئًا، كما أخبر الصادق المصدوق، فكانوا سور حماية للأمة، ودروعًا واقية للدين..
ثم يأتي التحذير والنهي النبوي الصريح: (لا تَسُبُّوا أصْحابِي، فلوْ أنَّ أحَدَكُمْ أنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، ما بَلَغَ مُدَّ أحَدِهِمْ ولا نَصِيفَهُ) رواه البخاري.
فكيف يتجرأ أحَدٌ على الوقيعة فيهم، وقد شهد لهم الله عز وجل وأثنى عليهم، وزكّاهم النبي صلى الله عليه وسلم بالخير، ورفع منزلتهم فوق من جاء بعدهم؟!!
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه، أما بعد:
 
كل مجتمع له رموز وقادة، يمثلون قيمه، ويكونون في محل الاقتدء والاهتداء، ورموز أمتنا ومجتمعاتنا الإسلامية هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، قال صلى الله عليه وسلم مخاطبا أصحابه والأمة كلها: (فإنه من يعِشْ منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنةِ الخلفاءِ المهديّين الراشدين تمسّكوا بها، وعَضّوا عليها بالنواجذِ، وإياكم ومحدثاتِ الأمورِ فإنَّ كلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ) رواه أبو داود.
فيا من تغارون على دينكم، وتحبون نبيكم، اعلموا أن الانتصار للصحابة هو انتصار للإسلام نفسه، وأن الدفاع عنهم هو دفاع عن النبوة والوحي والقرآن، ألا فليتقِ الله كلُّ من أطلق لسانه في أصحاب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فإنه ما طعن فيهم أحدٌ إلا وفي قلبه غلٌّ وحقد على هذا الدين، وإن زعم غير ذلك، وما نال منهم أحدٌ إلا وكان سهمه في صدر الإسلام، وإن حُسب من العقلاء والمفكرين!

وختاماً عباد الله: 
أحبوا أصحاب نبيكم صلى الله عليه وسلم، واذكروا فضلهم، واتبعوهم في هديهم وأخلاقهم، وربّوا أبناءكم على توقيرهم، فإن حبهم دين، وبغضهم نفاق، وهم جيلٌ لا يتكرر، اختارهم الله لصحبة خير البشر وأفضل الأنبياء صلوات الله وسلامه عليه..

هذا وصلوا وسلموا -رحمكم الله- على السراج المنير، والهادي البشير، كما أمركم الله بالصلاة والسلام عليه بقوله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}(الأحزاب:56).

 

www.islamweb.net