قدم أكثر من 120 عضوًا في البرلمان الهندي اقتراح مشروع قانون يسمح بإنشاء معبد هندوسي على أنقاض مسجد بابري الذي هدمه المتعصبون الهندوس عام 1992م وقتلوا أكثر من ألفي مسلم.
هذه الخطوة قد تعيد قضية مسجد بابري إلى الأضواء مجددًا بعد أن ظلت بين مد وجزر طوال العقد الماضي.
يعود تاريخ المسجد البابري في مدينة أيودهيا في شمال الهند إلى القرن السادس عشر، عندما بناه الحاكم المسلم "ظهر الدين بابر".
المتطرفون الهندوس يقولون إن هذا المسجد بني على أنقاض معبد ولد فيه "رام" الأسطوري المقدس لدى الهندوس، لذلك بذلوا جهودًا متوالية لهدم المسجد حتى نجحوا في ذلك في السادس من ديسمبر عام 1992م، وسط صدامات دامية أودت بحياة ألفي مسلم.
سلسلة من الاعتداءات:
تعود بداية العدوان على المسجد البابري إلى ما يزيد عن نصف قرن، ففي ليلة 22 ديسمبر 1949م هجمت عصابة مكونة من 50 - 60 هندوسيًّا على المسجد البابري ووضعوا فيه أصنامًا لـ"رام" وادعوا أن الأصنام ظهرت بنفسها في مكان ولادته! وهو ما اضطر الشرطة إلى وضع المسجد تحت الحراسة وأغلقته لأنه محل نزاع.
وفي نوفمبر 1984م سمح رئيس وزراء الهند الأسبق "راجيف غاندي" للهندوس بوضع حجر الأساس لمعبد هندوسي في ساحة المسجد، وتبع ذلك الحكم الصادر من محكمة فيض آباد بتاريخ 1/2/1986م من طرف القاضي "ر.ك باندي" الذي أصبح بعد إحالته إلى المعاش عضوًا بارزًا في حكومة حزب بهارنا جانتا ـ الحاكم حاليًّا والمسؤول عن هدم المسجد البابري ـ سمح فيه بفتح أبواب المسجد للهندوس ، وإقامة طقوسهم الدينية فيه، وحذر السلطات المحلية من التدخل في هذا الشأن.
وفي بداية الثمانينيات قام الهندوسي المتطرف "محنت راغوبير" برفع قضية أمام المحكمة بشأن كون المسجد قد بني فوق مكان ميلاد الإله "رام" الأسطوري، إلا أن هذه المزاعم تم دحضها بحكم القضاء في أبريل 1985م لفقد أي دليل تاريخي أو قانوني.
الصراع على أرض المسجد:
بعد هدم المسجد تمامًا عام 1992م بدأ الصراع على أرض المسجد، والذي لم ينته حتى الآن! إلا أن ستاراً من الصمت المطبق أسدل على هذه المأساة خلال السنوات الماضية، فالجانب الهندي يحرص على التزام الصمت حول قضية الاعتداء الوحشي على المسجد والمسلمين كيلا تتشوه سمعته، فالهند تتغنى بالعلمانية وبالتعايش مع الأقليات.
أما الجانب الإسلامي فإنه انقسم إلى فريقين: فريق يدعو إلى ابتلاع القضية برمتها بدعوى أن إثارتها لن تؤدي إلا لمزيد من المشكلات للمسلمين. وفريق آخر استنكر وعارض أول الأمر حركة هدم المسجد، وبالتالي إقامة المعبد الهندوسي مكانه، ولما رأى أن استنكاره لم يجد كثير نفع، لاذ من باب "مكره أخاك لا بطل" إلى الموقف الأول.
في مطلع عام 2001م توصل الهندوس المتعصبون إلى حيلة جديدة للاستيلاء على أرض المسجد البابري، وذلك بالحصول على ورقة من رجل مسلم تخول للهندوس بناء معبدهم على أرض المسجد، والرجل الذي اهتدى إليه المتعصبون لعقد هذه الصفقة المشبوهة هو "محمد هاشم أنصاري" من سكان "أيوديا" وهو الوحيد الباقي على قيد الحياة ممن أقاموا الدعوى الأصلية في المحاكم عقب استيلاء الهندوس على المسجد البابري في عام 1949م.وفي 20/5/2001م أعلن المجلس الهندوسي العالمي الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء "واجبائي" بأنه سيبدأ بحلول العام القادم العمل على تشييد معبد "رام".
انحياز رسمي سافر للمتطرفين:
الانحياز السافر من قبل حكومة نيودلهي إدارة وقضاءً مع الهندوس لا يخفى على أحد، فقد كشف رئيس الوزراء "واجبائي" عن وجهه القبيح وموقفه من قضية المسجد البابري عندما قال في أواخر عام 2000م: إن بناء المعبد الهندوسي مكان المسجد البابري يأتي تعبيرًا عن الأماني القومية، وأنه برنامج لم ينته بعد.
وصرح يوم 25/2/2003م قائلاً: أتمنى أن أرى المعبد الهندوسي مشيدًا وفي أقرب فرصة ممكنة ، لقد وعدت خلال حملتي الانتخابية عموم الناخبين أنني سوف أبني المعبد إذا وصلت إلى الحكم وسوف أوفي بعهدي.
وخلال الحملة الانتخابية لصالح الحزب الحاكم يوم 20/2/2003م قال واجبائي: نحن نريد كحكومة وكحزب سياسي تعمير معبد رام على أنقاض المسجد البابري، وأنا على يقين بأننا سنجد من الشواهد التاريخية ما يصدق ادعاءنا في الأحقية بهذه البقعة.
وفي العام الماضي وقعت مفاجأة كبيرة في مسار القضية المرفوعة ضد من هدموا المسجد البابري قبل عشر سنوات، حين ألغت محكمة (الله آباد) العليا قرار المحكمة الخاصة التي تنظر في هذه القضية واستندت في حكمها إلى نقطة فنية، وهي أن القرار الحكومي بإنشاء المحكمة الخاصة لم يحصل على موافقة المحكمة العليا مسبقًا عند إنشاء المحكمة الخاصة، وبالتالي فإن كل الإجراءات التالية فاسدة قانونيًّا. وهكذا ظل قادة المتطرفين الهندوس الذين قادوا عملية هدم المسجد البابري عام 1992م بلا أي عقاب وأغلب الظن أنه لن ينالهم عقاب، فثلاثة منهم وزراء في الحكومة الحالية.
وتجد الإشارة هنا إلى أن حكومة واجبائي قدمت طلبها وبشكل رسمي إلى المحكمة الدستورية الكبرى طالبة السماح لها بتشييد معبد رام مكان المسجد البابري لكي يتسنى لها تنفيذ الوعد الذي وعدت به عموم الناخبين والمحكمة بدورها أجَّلت البت في الموضوع على أن يبت في الموضوع لجنة مشكّلة من القضاة الكبار.
وفي سياق متصل تؤكد الأنباء أن منظمة VHP التي تتولى كبر مسؤولية تعمير معبد رام قد أعدت خريطة المعبد وجمعت له الأموال الكافية، ومما يندى له الجبين أن الهنود المقيمين في الخليج ساهموا بنصيب الأسد في حملة التبرعات لصالح تعمير المعبد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(عن مجلة الأسرة )