السؤال
كيف كان صيام الأمم السابقة؟ من ناحية الامتناع عن الأكل والشراب؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183]. قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله في كتابه القيم "زاد المسير" ج1 ص184: 185: وفي موضع التشبيه في كاف كما كتب قولان: أحدهما: أن التشبيه في حكم الصوم وصفته لا في عدده، قال سعيد بن جبير: كتب عليهم إذا نام أحدهم قبل أن يطعم لم يحل له أن يطعم إلى القابلة، والنساء عليهم حرام ليلة الصيام وهو عليهم ثابت، وقد أرخص لكم، فعلى هذا تكون هذه الآية منسوخة بقوله: أحل لكم ليلة الصيام الرفث "البقرة 187" فإنها فرقت بين صوم أهل الكتاب وبين صوم المسلمين. والثاني: أن التشبيه في عدد الأيام، ثم في ذلك قولان: أحدهما: أنه فرض على هذه الأمة صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وقد كان ذلك فرضاً على من قبلهم، قال عطية عن ابن عباس في قوله تعالى كما كتب على الذين من قبلكم قال: كان ثلاثة أيام من كل شهر ثم نسخ برمضان، قال معمر عن قتادة كان الله قد كتب على الناس قبل رمضان ثلاثة أيام من كل شهر، فعلى هذا القول تكون الآية منسوخة بقول الله تعالى شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن. والثاني: أنه فرض على من قبلنا صوم رمضان بعينه، قال ابن عباس فقدم النصارى يوما ثم يوما وأخروا يوما، ثم قالوا: نقدم عشراً ونؤخر عشراً. وقال السدي عن أشياخه: اشتد على النصارى صوم رمضان فجعل يتقلب عليهم في الشتاء والصيف، فلما رأوا ذلك اجتمعوا فجعلوا صياما في الفصل بين الشتاء والصيف، وقالوا: نزيد عشرين يوما نكفر بها ما صنعنا، فعلى هذا تكون الآية محكمة غير منسوخة. انتهى. ومن هذا النقل تعلم أن أهل التفسير متفقون على أن صيام من قبلنا كان كصيامنا من جهة الامتناع عن الأكل والشرب، وإنما اختلفوا هل كان صيامهم كصيامنا في العدد والزمان أم لا؟ واختار الإمام النحاس أن صيامهم كان كصيامنا في شهر رمضان فغيروا، وقال: هو الأشبه بما في الآية، وذكر القرطبي تأييداً لقول النحاس حديثاً رواه الطبراني في معجميه الكبير والأوسط عن دغفل بن حنظلة قال: كان على النصارى صوم شهر رمضان، فكان عليهم ملك فمرض فقال: لئن شفاه الله ليزيدنّ عشرا، ثم كان عليهم ملك بعده فأكل اللحم فوجع فقال: لئن شفاه الله ليزيدنّ ثمانية أيام، ثم كان ملك بعده فقال: ما ندع هذه الأيام أن نتمها ونجعل صومنا في الربيع ففعل فصارت خمسين يوماً. وقد أنكر الأئمة كأحمد بن حنبل والبخاري والترمذي وابن سعد وغيرهم أن يكون لدغفل بن حنظلة صحبة، فعلى هذا فالحديث مرسل. والله أعلم.