دخل الإسلام الهند والسند أول ما دخل على يد محمد بن القاسم الثقفي المتوفى سنة 98هـ وذلك في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك .
وقد انتشر الإسلام بعد ذلك على يد التجار والزهاد والدعاة المخلصين انتشاراً محدوداً.
وفي القرن الرابع الهجري ظهرت موجة الفتح الإسلامي الثانية للهند عندما حكم الهند عاهلون كبار من العرق التتري والمغولي ، على رأسهم إلب شكين التتري ، والد محمود الغزنوي ، الذي حكم مملكة تبدأ من ضفة نهر جيحون اليسرى ، إلى سلسلة جبال سليمان مغرب السند ، وجعل قاعدة ملكه في غزنة ، ثم يستولي على البنجاب ويبدأ في هذه النواحي اعتناق الإسلام بأعداد كبيرة .
وعندما خلفه ابنه محمود الغزنوي ، الذي استمر في الحكم ثلاثين سنة ، قام بحملات على أنحاء من الهند اثنتي عشرة مرة ، مما جعل فتح المسلمين للهند وسيطرتهم عليها ، أمراً ثابت الدعائم والأركان .
وقد حكم المسلمون الهند ثمانية قرون منذ محمود الغزنوي ، وحتى دخول الإنجليز إليها في القرن التاسع عشر الميلادي ، الثالث عشر الهجري .
وخلال هذه القرون الثمانية، أسدى المسلمون لشبه القارة الهندية خدمات عظمى ، أولها وأعظمها ، أولاها نشر الإسلام ؛ الذي أصبح يدين به منهم نحو عشرين في المائة ، ولو كان من سياسة المسلمين إجبار الناس على الدخول في الإسلام ، لكان أولى البقاع بذلك هي الهند، إذ كانت السيطرة فيها كاملة للمسلمين ، وكان أكثر أهل الهند وثنيين من الهندوس ، ومن البوذيين .
وقد تعدى تأثير الإسلام في معتنقيه ، إلى من سواهم من غير معتنقيه ، فأثر في عقلية الشعب الهندوكي وفي ديانته نفسها .
ويقول الباحث الهندي المعروف " بانيكار " : " إن من الواضح أن تأثير الإسلام في الديانة الهندوكية كان عميقا في العهد الإسلامي .. إن فكرة عبادة الله في الهنادك ، مدينة للإسلام ، إن قادة الفكر والدين في هذا العصر وإن سموا آلهتهم بأسماء شتى، قد دعوا إلى عبادة الله ، وصرحوا بأن الإله واحد ، وهو يستحق العبادة ، ومنه تطلب النجاة والسعادة ، وقد ظهر هذا التأثير في الديانات والدعوات التي ظهرت في الهند في العهد الإسلامي كديانة " بهاجتي " ودعوة " كبيرداس "، هذا من الناحية الدينية ، أما من الناحية الاجتماعية فكان تأثير الإسلام ـ كما يقول العلامة أبو الحسن الندوي ـ عظيما، إذ حمل المسلمون معهم فكرة المساواة الإنسانية التي لم يكن للهند عهد بها؛ فلا نظام طبقات ، ولا منبوذ ، ولا نجس بالولادة ، ولا تقسيم وراثي للحرف والصناعات ، ولا جاهل يحرم عليه التعليم ، بل الناس جميعاً يعيشون معاً ، ويأكلون جميعا ، ويتعلمون سواء، ويختارون ما يشاءون من الحرف والصناعات .
ويدخل في أثر الإسلام الاجتماعي موقفه من المرأة ، من ناحية احترامها والاعتراف بحقوقها وكرامتها كعضو محترم من أعضاء الأسرة والإنسانية ، ولعل عظمة موقف الإسلام من المرأة تتجلى في الهند إذا علمنا أن النساء في الهندوكية كن يحرقن أنفسهن بالنار بعد وفاة أزواجهن ، وهن لا يرين ولا يرى المجتمع لهن حقاً في الحياة بعد وفاة الأزواج ، وهذا الطقس الهندوكي ، يسمى " ستي ".
وقد أورد مؤرخ الهند الكبير المشهور بمؤلفاته السائرة وكتبه المقررة في الجامعات وهو المؤرخ ( جادو سركار) عديداً من الأيادي الإسلامية على الهند ، منها باستثناء ما ذكرنا في الناحيتين الدينية و الاجتماعية ... إيجاد صلات للهند بالعالم الخارجي ، بعد أن كانت معزولة تماما عن العالم ، ومنها إيجاد لغة رسمية إدارية وأسلوب نثري فني يصلح للكتابة العلمية والأدبية ، ومنها إيجاد وحدة سياسية واجتماعية في اللباس ومظاهر الحضارة ، خصوصا في الطبقات الراقية ، وبدرجة ما في الطبقات الشعبية ، ومنها تقدم لغات إقليمية في ظل الحكومة المركزية اعتماداً على تحقق السلام والأمن والرفاهية ومنها تجديد التجارة عن طريق البحار التي كانت قد توقفت منذ فترة طويلة ، وإنشاء بحرية للهند بعد أن كانت بعيدة عن هذا المجال .
أما فضل الحضارة الإسلامية في الهند على المسلمين أنفسهم ، فهو صفحة عظيمة لا يمكن حصر نواحي إبداعها في هذا المجال ، سواء فيما أنشأوه من آلاف المساجد البالغة الغاية في فن المعمار ، وسواء فيما أسهموا به في العلوم الإسلامية المختلفة .
ومن التراث الإسلامي العالمي الذي دبجه مسلمو الهند كتاب "العباب الزاخر" للإمام حسن بن محمد اللاهوري، وكتاب "كنز العمال " للشيخ علي بن حسام الدين المتقي البرهانغوري ، ومنها "الفتاوى الهندية " في ستة مجلدات ، "ومنها مسلم الثبوت في أصول الفقه" لمحب الله بن عبد الشكور ، وكتاب "كشاف اصطلاحات الفنون" للشيخ محمد التهانوي ، و"جامع العلوم" و"حجة الله البالغة" للإمام ولي الله الدهلوي ،وهو من أعظم الكتب في الحضارة الإسلامية .
ومنها "تاج العروس في شرح القاموس" للسيد مرتضى الزبيدي ...
وما هذه إلا قطرة في بحر كبير ، و إلا فإن صفحة حضارتنا الإسلامية في الهند ، صفحة زاخرة في كل جيل وفي كل قرن ، ولا زالت هذه الحضارة موصولة بإذن الله ، حتى وإن نزل المسلمون من مستوى القيادة فإنهم قادرون على البقاء ـ
بإذن الله ـ في مكان القيادة في الفكر والحضارة ...
لأنهم ـ لو تمسكوا بدينهم ـ جزءٌ من خير أمة أخرجت للناس .
وهو ما نرجوه لهم ، ونتمنى أن يعينهم الله عليه ..