القرآن يحدثنا عن اليهود وأخلاقهم في كثير من آيه وقد حدد لهم معالم وسمات واضحة يتصفون بها في كل الأزمة ونحن في هذا المقال نذكر جزءً منها للمثال لا للحصر :
المعلم الأول : عداوتهم للإنسانية عامة وللمؤمنين خاصة، قال الله تعالى ( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ) (سورة المائدة:82) .
وعداوة اليهود هذه مبكرة تشهد بخستها القرون الغابرة، وتؤكدها القرون اللاحقة، فحالهم مع أنبيائهم فريقاً كذبوا وفريقاً يقتلون، ولا غرابة أن يتطاولوا على محمد صلى الله عليه وسلم ويحاولوا قتله وهو بعد طفل رضيع، فقد روى ابن سعد: أن أم النبي صلى الله عليه وسلم لما دفعته إلى حليمة السعدية لترضعه قالت لها: احفظي ابني وأخبرتها بما رأت من المعجزات، فمر بها اليهود فقالت : ألا تحدثوني عن ابني هذا، فإني حملته كذا ووضعته كذا، فقال بعضهم لبعض: اقتلوه، ثم قالوا: أيتيم هو؟ قالت لا، هذا أبوه وأنا أمه.. وكأنها أحست منهم شيئاً.. فقالوا لو كان يتيما لقتلناه "الطبقات 1/113".
ثم تستمر محاولة اليهود في قتله حين ذهب مع عمه أبي طالب إلى الشام وعمره لم يتجاوز الثانية عشر، ومقولة بحيرى لعمه إني أخشى عليه من اليهود فارجع به بلده. هذا كله قبل النبوة " السيرة لابن هشام 2/189".
ثم تشتد العداوة بعد النبوة، ويحاول اليهود أكثر من مرة قتل النبي صلى الله عليه وسلم فلم يفلحوا، و وضعوا له السم في الطعام – كما ثبت في الصحيح-، وآذوه وألبوا الأعداء عليه وتعاونوا مع المنافقين والمشركين لحربه،وأعلنوا العداوة له بكل وقاحة وصراحة، إذ هم يعترفون بنبوته ويعلنون كرهه وعداوته حتى الممات، وهذا حيي بن أخطب زعيم يهود بني النضير يسأله أخوه أبو ياسر: أهو هو؟ قال: نعم والله، قال: أتعرفه وتثبته ؟ قال: نعم، قال فما في نفسك منه ؟ قال: عداوته والله ما بقيت)
وحين أمكن الله من عدو الله حيي وجيء به قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألم يمكن الله منك يا عدو الله؟ قال!: بلى، أبى الله إلا تمكينك مني، أما والله ما لمت نفسي في عداوتك ولكنه من يخذل الله يخذل( الروض الأنف 3/444).
واستمرت عداوة اليهود للمسلمين وفي أيام الخلفاء الراشدين خرج عبد الله بن سبأ اليهودي ليشعل الفتنة ويبذر الخلاف بين المسلمين وكانت الفتنة وكانت الحروب، ونتجاوز الزمن قليلاً ونقف عند الدولة العثمانية ملياً إذ كانت محاولات اليهود للعثمانيين للسماح لهم بالهجرة إلى أرض فلسطين والاستيطان فيها، فأصدر السلطان عبد المجيد خان أمراً بمنع اليهود القادمين لزيارة بيت المقدس من الإقامة في القدس أكثر من ثلاثة أشهر .
ثم يعيدون الكرة مع السلطان عبد الحميد ويعدوه ويمنوه بالهبات والأموال مقابل إنشاء مستعمرة قرب القدس، فيجابههم بالرفض التام .
ثم يدرك اليهود أن لا وسيلة لهم لتحقيق أغراضهم إلا القضاء على هذه الدولة بالتآمر مع الدول الكبرى وقد كان، فليهود الدونمة دور كبير في القضاء على الدولة واختيار الزعماء المناسبين لهم.
ويستمر العداء، ويؤكد الخلف ما بدأه السلف، فليست عداوتهم تاريخاً مضى وانتهى إنما هي عقيدة يلقنها الأباء للأبناء، فهذا (مناحيم بيجن) يقول: (أنتم أيها الإسرائيليون لا يجب أن تشعروا بالشفقة حتى تقضوا على عدوكم، ولا عطف ولا رثاء حتى تنتهوا من إبادة ما يسمى بالحضارة الإسلامية، التي سنبني على أنقاضها حضارتنا) "صراعنا مع اليهود 59"
وهذا "شامير" يقول في حفل استقبال اليهود السوفيت المهاجرين إلى إسرائيل (إن إسرائيل الكبرى من البحر إلى النهر هي عقيدتي وحلمي شخصياً، وبدون هذا الكيان لن تكتمل الهجرة ولا الصعود إلى أرض الميعاد، ولن يتحقق أمر الإسرائيليين ولا سلامتهم).
ويقول ابن غوريون (نحن لا نخش الاشتراكيات ولا الثوريات ولا الديمقراطيات في المنطقة، نحن فقط نخشى الإسلام هذا المارد الذي نام طويلاً وبدأ يتململ) "صراعنا مع اليهود214".
هكذا يحدد اليهود أعداءهم، وكذلك تستمر العداوة، ويتحقق إعجاز القرآن (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ ) (سورة المائدة :82) .
المعلم الثاني : والبارز في تاريخ اليهود هو نقضهم العهود، قال تعالى : ( الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ) [الأنفال: 56 ] .
وقال تعالى : ( أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ) [البقرة: 100]
فهذه شهادة القرآن،فما هي شهادة الواقع على هؤلاء الأقوام؟ لقد عاهدهم الرسول صلى الله عليه وسلم وكتب بينه وبينهم كتاباً حين وصل المدينة فهل التزم اليهود العهد واحترموا الميثاق؟ كلا فقد غدر يهود بني قينقاع بعد غزوة بدر وانتصار المسلمين على المشركين، والمعاهدة لم يمض عليها إلا سنة.
وغدرت يهود بني النضير بعد غزوة أحد وتجرأوا على المسلمين بعد ما أصابهم في غزوة أحد.
وغدرت بنو قريظة عهدهم في أشد الظروف وأحلكها على المسلمين يوم الأحزاب، فإذا كانت هذه أخلاقهم مع من يعلمون صدقه، ويعتقدون نبوته، فهل يرجى منهم حفظ العهود مع الآخرين؟ هل يتوقع صدق المجهود في معاهداتهم مع من يرونهم أضعف وأقل شأناً؟
إن اليهود قوم بهت، كما قال عبد الله بن سلام رضي الله عنه الذي كان يهودياً فأسلم، وهم ينظرون إلى العهود والمواثيق التي يوقعونها مع غيرهم أنها للضرورة ولغرض مرحلي ولمقتضيات مصلحة آنية، فإذا استنفد الغرض المرحلي نقض اليهود الميثاق من غير استشعار بأي اعتبار خلقي أو التزام أدبي .
فإذا كانت تلك شهادة القرآن، وشهادة الواقع التاريخي على اليهود، فإن من الجهل والبلاهة والحمق الثقة بأي معاهدة يبرمها اليهود، وبأي اتفاق يتم مع اليهود.
المعلم الثالث : يأبى الله إلا أن ينتقم من هذه الطغمة الفاسدة في الحياة الدنيا وقبل أن يقوم الأشهاد، وذلك بتسليط شعوب الأرض وأممها على اليهود، كلما اشتد فسادهم في الأرض، تحقيقاً لقوله : (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ) .
وذلك معلم ثالث من معالم تاريخهم، وذلك راجع- والله أعلم- إلى فسادهم، وإلى علوهم واستكبارهم، وتحريف كتبهم، وحقدهم وعدائهم، فليس لهم صديق دائم، بل المصلحة والمنفعة الذاتية هي التي تخلق لهم الأصدقاء أو تجلب لهم العداوة والبغضاء، ولذلك فما من شعب جاوره اليهود إلا ويحاول التخلص منهم، وإليكم هذه النماذج من شهادات التاريخ:
ففي سنة 1290 للميلاد قضى الإنجليز على اليهود جميعاً بالنفي وتبعهم في ذلك الفرنسيون وفي عامي 1348، 1349 م انتشر الموت الأسود في أوربا، واتهم اليهود بأنهم سمموا الآبار ومجاري المياه، فاشتدت حملة القتل والتنكيل بهم، بالرغم من محاولة البابا (كليمنس السادس) الدفاع عنهم ولكن دون جدوى.
وفي 1493 م أصدر فرديناند وايزابيلا بأسبانيا مرسومها الرهيب بالفتك باليهود فهام اليهود على وجوههم، ولم يجدوا ملاذاً آمناً إلا بلاد المسلمين .
وفي سنة 1881 م كانت أعمدة الدخان تتصاعد حول بحر البلطيق إلى البحر الأسود حيث كانت عمليات حرق اليهود وبيوتهم وكتبهم مستمرة وحددت لهم روسيا مناطق لا يخرجون منها وألزمتهم الخدمة العسكرية خمسة عشر عاماً .
إذا كان النصارى والعلمانيون، والأوربيون والأمريكان أقرب الشعوب إلى اليهود فاسمعوا وجهة نظرهم فيهم .
يقول (باكس) وهو أحد النصارى (.. وكان في ذاكرة عامة أوربا أن اليهود يمتصون جهود البلاد الاقتصادية ويمثلون الطرف الخبيث الخطر الذي يسعى أبد الدهر لتحطيم المسيحية).
وفي أمريكا ألقى الرئيس الأمريكي الأسبق
(بنيامين فرانكلين) أول خطاب في الاجتماع التأسيسي للولايات المتحدة بعد استقلالها عام 1779 م قال فيه:( إن هؤلاء اليهود هم أبالسة الجحيم، وخفافيش الليل، ومصاصو دماء الشعوب ،
أيها السادة : اطردوا هذه الطغمة الفاجرة من بلادنا قبل فوات الأوان، ضماناً لمصلحة الأمة وأجيالها القادمة، وإلا فإنكم سترون بعد قرن واحد أنهم أخطر مما تفكرون، وثقوا أنهم لن يرحموا أحفادنا، بل سيجعلونهم عبيداً في خدمتهم.. إلى أن يقول:
أيها السادة : ثقوا أنكم إذا لم تتخذوا هذا القرار فوراً، فإن الأجيال الأمريكية القادمة ستلاحقكم بلعناتها وهي تئن تحت أقدام اليهود 00)"د مصطفى مسلم – الصراع مع اليهود 205-221"
إذا كان هذا حكم القرآن فيهم، وتلك وجهات نظر أقرب الناس إليهم، فكم هو مؤلم ومؤسف أن تختل هذه النظرة عند بعض المنتسبين للإسلام، وينسوا أو يتناسوا هذا التأريخ البعيد والقريب لليهود فيطمعوا في صلح دائم معهم ويثقوا بعهودهم .
المعلم الرابع : من المعالم القرآنية التي حكم الله بها على اليهود: التفرق والشتات والخلاف ماض فيهم إلى يوم القيامة، يقول تعالى: (وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَمًا) [سورة الأعراف:168] ويقول تعالى: (وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ) (سورة المائدة : 64) .
ويقول تعالى : (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ) ( الحشر:14) .
فهذه سنة ماضية من سنن الله في اليهود : ( لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ) (سورة الحشر:14).
يعلمها من يقرأ تاريخهم قديماً وحديثاً، ودعونا نطوي صفحة الماضي حتى لا يظن أننا نتعلق دائماً بالماضي، ففي عصرنا الحاضر وفي دولة إسرائيل اليوم من التفرقة العنصرية بين اليهود الغربيين الذين يسمون (الأشكنازيم) وبين اليهود الشرقيين الذين يسمون (السفارديم) من العداوة والبغضاء والكره ما الله به عليم، وليست تلك عداوة عنصرية لاختلاف المواقع، لكنها طبع، وتحقيق لموعود الله فيهم، وإليك هذا النص المؤكد لاستمرارعداوتهم.
تقول يهودية روسية ذات ثقافة أكاديمية : صحيح أننا نكرههم- تقصد اليهود الغربيين- وصحيح أنهم يكرهوننا، إننا إسرائيليون وهم إسرائيليون، يبدو أن سوراً كبيراً يفصل بيننا، إننا نعيش في مستويات مختلفة ومفاهيم مختلفة، إننا نتحدث بشكل آخر ونفكر بشكل آخر، وينظر الواحد منا إلى الثاني بشكل آخر،إن هذا لأكثر من طائفتين مختلفتين، هذا بمثابة شعبين مختلفين، صدقني هذه عنصرية، إن ذلك ليس مسألة لون جلد، ولا مسألة البلد الأصلي، إن الذي يحدث ناجم عن الكراهة الثقافية، إنني أكرههم لأنني أتخوف من الانتقال ليلاً في تلك الشوارع التي يتجولون فيها، إنني أكرههم بسبب نظرتهم، بسبب كلماتهم البذيئة التي يطلقونها خلفنا، وبسبب جميع الأعمال الخسيسة التي يحاولون القيام بها ضدنا.
إلى آخر مقالها الذي يعبر عن الكره بين طوائف اليهود .
فلا تظنوا والحالة تلك أن يهود اليوم صف واحد وبنيان مرصوص، كلا فبنيانهم أوهى من بيت العنكبوت وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت، وما يخيل لبعض المسلمين اليوم من هيبة اليهود وقوة اليهود واجتماع كلمتهم إنما يبرز بسبب واقع المسلمين من الضعف والفرقة والشتات، وسيبصر المسلمون حقيقة الحال ويتأكدون من وصف القرآن إذا صلحت أحوالهم وعادوا إلى كتاب ربهم والتزموا شريعته، هناك يزول السراب الخادع، وتذهب الغشاوة عن العيون، ويأذن الله بنصر المسلمين، ويفر اليهود كما تفر الفئران من أرض المعركة، يحتمون بالقصور والحصون، غير قادرين على مواجهة المسلمين وحينها يعلم المسلمون مصداق قوله تعالى : (لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ) (سورة الحشر:14) .
إن المعالم في تاريخ اليهود كثيرة، وإن آيات القرآن عنهم بليغة، وليس هذا حصراً لها بقدر ما هو إشارة إلى بعض منها
__________________________________
الحضارة الإسلامية لــ"علي بن نايف الشحود" بـتصرف.