وردت لفظ "العين" في القرآن الكريم مضافة لله تعالى في خمس آيات، الأولى في سورة هود (37) { واصنع الفلك بأعيننا ووحينا }، والثانية في سورة المؤمنون (27): { فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا }، والثالثة في سورة طه (39): { وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني }، والرابعة في سورة الطور (48) { واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا }، والخامسة في سورة القمر (14): { تجري بأعيننا }.
هذه مجموع الآيات التي ورد بها لفظ "العين" مضافاً لله سبحانه وتعالى، وسوف نعرض لتفسيرها حتى يتضح معناها، فأما الآية الأولى ومثلها الثانية فقد صرح جمع من المفسرين من الصحابة والتابعين بأن المراد بها صفة الله سبحانه والتي يرى بها كل مرئي، وهو القول الذي نقله الإمام الطبري في تفسيره عن ابن عباس و قتادة وغيرهما. ومن المفسرين من فسرها بالرعاية والحفظ أي: واصنع السفينة يا نوح ونحن نحفظك ونعينك ونعلمك . ولا منافاة بين التفسيرين فإن الله يرى نوحاً وعمله وهو يحوطه ويحفظه ويرعاه .
أما قوله تعالى: { ولتصنع على عيني } فذكر الطبري في تفسيرها رأيين:
الأول: ولتغذى وتربى على محبتي وإرادتي، أي أن تنشئتك وتربيتك تحت بصري ونظري ورعايتي وحفظي .
والثاني: وأنت يا موسى بعيني في أحوالك كلها أي أن حفظ الله ورعايته لموسى لا تقتصر على فترة التنشئة فحسب، بل هو تحت عين الله ونظره وحفظه ورعايته في أحواله جميعها .
أما قوله تعالى: { واصبر لحكم ربك فإنك بأعيينا } فقد قال الإمام الطبري في تفسيره: " فإنك بمرأى منا نراك ونرى عملك، ونحن نحوطك ونحفظك، فلا يصل إليك من أرادك بسوء من المشركين " أ.هـ .
وأما قوله: { تجري بأعيننا } فيقول الطبري أيضاًَ: تجري السفينة التي حملنا نوحا فيها بمرأى منا ومنظر " فهي تجري بحفظ الله ورعايته ولولا حفظ الله لها لغرقت في ذلك الطوفان المهول .
ويلاحظ من خلال هذه الآيات وتفسيرها أن المواطن التي ذكرت فيها هذه الصفة "العين" هي مواطن امتنان بالنعمة وتذكير بها فبدءا من نوح – عليه السلام - الذي صنع السفينة أداة نجاته ومن معه من المؤمنين، وكيف كان الله ينظر إليه نظر رعاية وحفظ وتوفيق، ويعلمه بوحيه كيفية صناعتها، إلى موسى – عليه السلام – الذي امتازت حياته بالمشاق والصعوبات فنجا منها برعاية الله وحفظه، إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي أمره ربه بالصبر لحكمه وطمأنه بأنه تحت نظره وبصره وعنايته ورعايته لا يخذله ولا يسلمه كل ذلك يعطينا دلالة على أن هذه الصفة – ككل صفات الله - صفة عظيمة تتضمن الحفظ والرعاية وأن إثباتها إثبات لجميع هذه المضامين .
والذي ينبغي التنبيه إليه هنا، أن إثبات هذه الصفة لا يقتضي وصف الله بمعنى من معاني البشر، أو بصفة من صفات المخلوقين، بل إن إثباتها هو إثبات لما يليق بجلال الله وعظمته من غير تشبيهها بعيون المخلوقين، وأن الإيمان بها يقتضي وصف الله بأن له عينين يرى بهما كل مرئي من غير خوض في تفاصيل أخرى لم يرد نفيها أو إثباتها في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - .