هو أبو عمرو الأموي، ذو النورين، ومَن تستحي منه الملائكة، ومن جمع الأمة على مصحف واحد بعد الاختلاف، ومَن افتتح نوابُه إقليم خراسان وإقليم المغرب.
كان من السابقين الصادقين القائمين الصائمين المنفقين في سبيل الله، شهد له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجنة، وزوجه بابنتيه: رقية ثم أم كلثوم رضي الله عنهم أجمعين، ومن نظر في تحريه وقت أمره بجمع القرآن علم مرتبته وجلالته.
وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وثالث الخلفاء الراشدين، وهو أفضل من قرأ القرآن على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة.
وهو معدود في البدريين - مع أنه لم يحضر المعركة -؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره أن يتخلف على زوجته رقية ابنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وضرب له بسهمه وأجره.
وكان عمرُه قريبًا من عمر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر الصديق، فكان قرينًا لهما، وكان أكبر من عليّ بن أبي طالب بثمان وعشرين سنة أو أكثر.
وكان ممن جمع بين العلم والعمل والصيام والتهجد والإتقان والجهاد في سبيل الله وصلة الأرحام، وكان إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته رضي الله عنه.
جهوده في خدمة الحديث النبوي:
لازم ذو النورين النبي - صلى الله عليه وسلم – فاستفاد منه استفادة جمة وأخذ عنه جملة كثيرة من العلم، مما جعله من كبار علماء الصحابة رضي الله عنهم جميعًا، وهذا العلم الغزير الذي تحمله عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتلك الأحاديث التي رواها عنه، لم يجعلها حبيسةً في صدره، بل أداها لمن وراءه كما سمعها، ولم يبدل ولم يغير، وأول من روى عنه هم أبناؤه ومواليه؛ فقد روى عنه بنوه: عمرو وأبان وسعيد ومولاه: حُمران ومولاه: الحارث، كما روى عنه من الصحابة والتابعين: أنس بن مالك، وأبو أمامة بن سهل، والأحنف بن قيس، وسعيد بن المسيب، وأبو وائل، وطارق بن شهاب، وأبو عبد الرحمن السُلمي، وعلقمة بن قيس، ومالك بن أوس بن الحدثان، وخَلقٌ سواهم.
وقد روى - رضي الله تعالى عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عددًا من الأحاديث التي انتفعت بها الأمة انتفاعًا عظيمًا، كحديث: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) رواه البخاري، هذا الحديث يقول عنه التابعي الإمام المقرئ أبو عبد الرحمن السُّلمي أنه هو الذي أجلسه وجعله يتفرَّغ وينتصب لإقراء الناس القرآن، وذلك بعد أنه سمعه من عثمان - رضي الله تعالى عنه -.
ومن منهج عثمان بن عفان - رضي الله تعالى عنه - في خدمة الحديث النبوي أنه كان يهتم بالجانب العملي التطبيقي ولا يكتفي بمجرد البيان النظري، ومن أمثلة ذلك روايته لبعض أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - في باب الوضوء، فبعد أن روى عنه حديثًا في فضل الوضوء، بيَّن - رضي الله تعالى عنه - عمليًا صفة الوضوء الشرعي، فقد روى الإمام مسلم في (صحيحه) عن عُروة عن حُمران مولى عثمان أنه قال: فلما توضأ عثمان قال: والله لأحدثنَّكم حديثًا والله لولا آية فى كتاب الله ما حدثتكموه [قال عروة: الآية {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى} إلى قوله تعالى: {اللاعنون}]، إنى سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول «لا يتوضأ رجل فيحسن وضوءه ثم يصلي الصلاة إلا غفر له ما بينه وبين الصلاة التى تليها»، وفي رواية في الصحيحين: «من توضأ نحو وضوئي هذا ثم قام فركع ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه».
وروى عن عثمان مولاه حمران بن أبان - أيضًا - أنه دعا بماء فتوضأ ومضمض واستنشق، ثم غسل وجهه ثلاثًا وذراعيه ثلاثًا ثلاثًا ومسح برأسه وظهر قدميه ثم ضحك، فقال لأصحابه: ألا تسألوني عما أضحكني؟ فقالوا: مم ضحكت يا أمير المؤمنين؟ قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعا بماء قريبًا من هذه البقعة، فتوضأ كما توضأت، ثم ضحك، فقال: "ألا تسألوني ما أضحكني؟" فقالوا: ما أضحكك يا رسول الله؟ فقال: "إن العبد إذا دعا بوَضوء فغسل وجهه حط الله عنه كل خطيئة أصابها بوجهه، فإذا غسل ذراعيه كان كذلك، وإن مسح برأسه كان كذلك، وإذا طهر قدميه كان كذلك"، رواه أحمد.
هذه بعض الأحاديث التي رواها عثمان عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، في باب الوضوء خصوصًا، وتدل على عِلم عثمان وحرصه على الاستزادة من الهدي النبوي، وحرصه على تعليم غيره ممن فاتته الصُحبة بطريقة عملية تطبيقية.
وفاته - رضي الله تعالى عنه - :
قال الحافظ الذهبي: "هاجت رؤوس الفتنة والشر، وأحاطوا به وحاصروه ليخلع نفسه من الخلافة، وقاتلوه - قاتلهم الله - فصبر، وكَفَّ نفسه وعَبيده حتى ذُبح صبرًا في داره والمصحف بين يديه! وزوجته نائلة عنده، وتسور عليه أربعة أنفس، وقتله سودان بن حمران يوم الجمعة ثامن عشر ذي الحجة سنة خمس وثلاثين، وكانت خلافته اثنتي عشرة سنة، وعاش بضعًا وثمانين سنة".