قبل أن نذكر بعض الأحاديث المنسوخة في اللباس والأشربة والأحاديث الناسخة لها، يجدر بنا أن نشير إلى طرق معرفة الناسخ من المنسوخ، حيث تنحصر في ثلاثة أمور:
1- التصريح من رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك: كحديث بريدة رضي الله عنه في صحيح مسلم وفيه: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكر الآخرة).
2- النص على ذلك من أحد الصحابة رضوان الله عليهم: كقول جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: "كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار" أخرجه أصحاب السنن، وقال الزهري: "كانوا يرون أن آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الناسخ للأول".
3- معرفة التاريخ: كحديث شداد بن أوس رضي الله عنه في سنن أبي داود: (أفطر الحاجم والمحجوم)، فقد جاء في بعض الطرق أن الحديث كان في زمن الفتح، فنُسخ بحديث ابن عباس رضي الله عنهما: "أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم صائم في حجة الوداع" رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
نسخ إباحة لبس الحرير والذهب للرجال
المنسوخ: عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن أكيدر دومة الجندل أهدى إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم جُبّة من سندسٍ -وذاك قبل أن ينهى عن الحرير- فلبسها، فعجب الناس منها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده -ثلاثًا-، لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذه) رواه البخاري.
وعن المِسْور بن مخرمة رضي الله عنهما قال: "قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبيةً، ولم يعط مخرمةَ شيئا، فقال مخرمة: يابني، انطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلقت معه، فقال: ادخل وادعه لي، فدعوته له وعليه قباء من ديباج مزرر بذهب.." رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. والأقبية جمع قَباء بفتح القاف وهو نوع من الثياب ضيق من لباس العجم.
في الحديثين دلالة على أن لبس الحرير والذهب كانا مباحين للنساء والرجال في أول الأمر.
الناسخ: عن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة) رواه البخاري.
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (حُرِّم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي وأحل لإناثهم) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
وهذا يدل على نسخ إباحة الحرير والذهب للرجال، حيث صار ذلك محرما على الرجال، واستمرت إباحته للنساء؛ لأن هذين الحديثين متأخرين.
نسخ النهي عن الشرب في الأوعية والظروف
كان من عادة الجاهلية وضع النبيذ في أوعية لتتحول خمرا؛ لأن لها قوة تسرع باستحالته مسكرا، وربما شربه ولم يعلم باستحالته مسكرا، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الشرب بها، والأوعية كانت تتخذ من: (الدبّاء: القرع اليابس)، أو من: (النقير: أصل النخلة يُنقر ويُتخذ منه ظرفٌ)، أو من: (الحنتم: الجرّة الخضراء)، أو من: (المزفّت والمقيّر: الإناء المطلي بالقار).
المنسوخ: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لوفد عبد القيس: (لا تشربوا في نقيرٍ، ولا مقيّرٍ، ولا دبّاء، ولا حنتم) رواه مسلم.
الناسخ: عن بُريدة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (..كُنتُ نَهَيْتُكُمْ عَنِ الظُّرُوفِ، وَإِنَّ الظُّرُوفَ أَوْ ظَرْفًا لَا يُحِلُّ شَيْئًا وَلَا يُحَرِّمُهُ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ) رواه مسلم.
وفي هذا الحديث دلالة على جواز الانتباذ في كل الأوعية ومنها: الحنتم والنقير والدباء والمزفّت، شريطة أن لا يكون قد بلغ التخمر والإسكار، وهو ناسخ للحديث الأول لأنه متأخر عنه.