إن الإنسان لا يستغني عن الدين، بل إنه لا حياة لمن لا دين له، وإن كانت الفطرة السليمة تتوجه بطبيعتها إلى الرب عز وجل وإذا كان العقل الصحيح يقر بالإله القدير، إلا إن معرفة الطريق الموصلة إلى رضا الرب الجليل ومعرفة النهج المحقق للغاية من خلق الإنسان لا تستطيع أن تقوم به الفطرة أو يقوم به العقل، بل لابد من رسلٍ يبلّغون الناس ما يُرضي ربهم، ويحذّرونهم مما يسخط الرحمن عز وجل.
إن أعظم ما يجب على الإنسان أن يعلمه في هذه الحياة معرفة ربه الذي أوجده من عدم، وأسبغ عليه النعم، وإن أعظم غاية خلق الله الخلقَ لأجلها هي عبادته وحده سبحانه، فكيف يعرف الإنسان ربه حق معرفته وما يجب له من الحقوق والواجبات؟ وكيف يعبد ربه؟ هل يعرف ذلك عن طريق العقول؟ لا! لأن العقول لا يمكن أن تستقل بمعرفة مراد الله منها، إذ العقل البشري أضعف من أن يدرك مراد بشر مثله قبل أن يخبره بمراده، فكيف بمعرفة مراد الله؟.
لذلك فإن هذه المهمة مقصورة على الرسل والأنبياء الذين يصطفيهم الله لإبلاغ الرسالة، وعلى من بعدهم من أئمة الهدى ورثة الأنبياء ، الذين يحملون منهاجهم ، ويقتفون آثارهم، ويبلغون عنهم رسالتهم.
ولذلك فإن الرسل عليهم الصلاة والسلام قاموا بأعظم دور في حياة البشرية، حيث كانوا هم الصلة بين البشر وبين ربهم تبارك وتعالى، ومن رحمة الله تبارك وتعالى أنه ما ترك قومًا إلا وأرسل لهم رسولا يبشّرهم وينذرهم، قال تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} (النحل:36)، فما من طائفةٍ من لدن آدم عليه السلام إلى قيام الساعة إلا وجاءها رسول أو نبي يأمره بعبادة الله، ويحذرها مما يغضب الرب تبارك وتعالى.
ومن عظيم رحمته وعدله عز وجل أنه اشترط لوقوع العذاب بالناس أن يأتيهم الرسل وتأتيهم الحجة من عند الرب جل وعلا قال تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} (الإسراء: 15).
يقول الإمام الطبري: "وقوله: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} يقول تعالى ذكره: وما كنا مهلكي قوم إلا بعد الإعذار إليهم بالرسل، وإقامة الحجة عليهم بالآيات التي تقطع عذرهم.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا}: إن الله تبارك وتعالى ليس يعذّب أحداً حتى يسبق إليه من الله خُبْراً، أو يأتيه من الله بيِّنة، وليس معذّبا أحداً إلا بذنبه" .
لذلك فليس لأحد من البشر حجة على الله عز وجل بعد إرسال الرسل ونزول الشرائع، يقول تعالى:{رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما } (النساء: 165).
ولقد كثر عدد الأنبياء والمرسلين وبلغوا عددًا عظيمًا، فها هو أبو ذر الغفاري رضي الله عنه يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول له: يا نبي الله، فأي الأنبياء كان أول؟ قال: (آدم) . قال: قلت يا نبي الله: أو نبي كان آدم؟ قال:(نعم، نبيٌّ مكلّم خلقه الله بيده، ثم نفخ فيه روحه، ثم قال له: يا آدم قٌبْلاً). قال: قلت: يا رسول الله، كم وفّى عدة الأنبياء؟ قال:(مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا، الرسل من ذلك ثلاث مائة وخمسة عشر جمّاً غفيراً).
يقول الشيخ السعدي: "فلم يبق للخَلْق على الله حجة لإرساله الرسل تترى، يبينون لهم أمر دينهم ومراضي ربهم ومساخطه، وطرق الجنة وطرق النار، فمن كفر منهم بعد ذلك فلا يلومن إلا نفسه، وهذا من كمال عزّته تعالى وحكمته أن أرسل إليهم الرسل، وأنزل عليهم الكتب، وذلك أيضا من فضله وإحسانه، حيث كان الناس مضطرّين إلى الأنبياء أعظم ضرورة تقدر، فأزال هذا الاضطرار، فله الحمد وله الشكر، ونسأله كما ابتدأ علينا نعمته بإرسالهم ،أن يتمها بالتوفيق لسلوك طريقهم؛ إنه جواد كريم" .
وبذلك يتضح لنا حاجة البشر الملحّة للرسل، ورحمة الله عز وجل وعدله بالبشرية، حيث أرسل لهم رسلاً وأنبياء يهدونهم إلى طريق الحق، ولعل من أعظم الشواهد الحسية على حاجة البشر للرسول، هو حاجة الإنسان إلى قوانين وأخلاق تنظم حياته، وتضبط سلوكه، ليتميز بذلك عن سائر الحيوان.
فإن الناس إما أن يعيشوا من غير دين ينظم حياتهم، ويضبط سلوكهم.
وإما أن يتخذوا لهم من يشرّع لهم دينا.
وإما أن يكونوا على الدين الحق الذي جاءهم بالبينات والهدى، فيكونوا بذلك على وفاق مع فطرتهم التي فطروا عليها، فتنتظم أمور حياتهم خير انتظام.
فإن اختاروا الأول عاشوا في بهيمية نكراء، يأكل الضعيف منهم القوي، وكان اختلافهم عن سائر الحيوان بالشكل والصورة فحسب.
وإن اختاروا الثاني فقد اختاروا العبودية لطائفة من البشر، تتسلّط عليهم، وتذيقهم من ظلمها سوء العذاب، فلم يبق إلا أن يحتكموا إلى الدين الحق ليأخذوا منه شرائعهم، ويبين لهم ما يحل لهم فيأتوه، وما يحرم عليهم فيجتنبوه، وهنا تكمن قمة السعادة ، ولا سعادة حقيقية للإنسان - أي إنسان - إلا بإتباع الدين الذي ارتضاه الله لعباده، والذي أرسل به الرسل، وأنزل من أجله الشرائع، والله الموفق.
- الكاتب:
وليد نور-منتدى التوحيد - التصنيف:
تعزيز اليقين