عن وحشِيِّ بن حرب رضي الله عنه أن أصحَابَ النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول اللهِ، إِنَّا نَأْكُلُ وَلا نَشْبَعُ. قَالَ: (فَلَعَلَّكُمْ تَفْتَرِقُونَ؟) قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: (فَاجْتَمِعُوا عَلَى طَعَامِكُمْ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ، يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ) رواه أبو داود وابن ماجه، وحسنه الألباني.
وعند الطبراني بلفظ: (كلوا جميعا ولا تفرقوا، فإن طعام الواحد يكفي الاثنين). قال ابن بطال في شرحه للحديث: "الاجتماع على الطعام من أسباب البركة".
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحضُّ أصحابه على الاجتماع وعدم الفرقة بوسائل كثيرة، ويستغلُّ مناسبات مختلفة لتحقيق الوحدة بين المسلمين والترابط فيما بينهم؛ ومن تلك الوسائل التي حث عليها وأمر بها: الاجتماع على الطعام، كما في الحديث الذي معنا.
فالاجتماع على الطعام وتسمية الله قبل البدء فيه يحققان البركة - كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم -، وليست البركة في الطعام وأثره في الجسد فقط؛ وإنما البركة كذلك في تحسُّن العلاقات الاجتماعية، سواء كانت علاقات أُسرية أو أخوية ونحوهما، نتيجة تقابل الجميع على الطعام، وما يترتب عليه من تبسّط أثناء الأكل وإكرام للضيف ونحو ذلك.
يقول الدكتور محمد الدويش في تأثير الاجتماع العائلي على مائدة الطعام: إن التبسط والابتعاد عن الجو الرسمي الذي ساد الكثير من جلسات الآباء مع أبنائهم، يتجلى ويظهر في الاجتماع العائلي على مائدة الطعام، فعندما يعيش الابن مع والديه في جلسة ويتحدث وهو متبسط على سجيته وطبيعته، يكتشف الوالدان الكثير من جوانب شخصية أبنائهم، وبالمثل يكتشف الابن جوانب من شخصية والديه، فالطعام فرصة لحديث الأولاد والبنات مع والديهم، الذين يعتبرونهم قدوة ومثلا لهم، كما أن الاجتماع يزيل الكثير من الأنانية التي يمكن أن يتربى عليها الأطفال، فعندما تكون هناك فاكهة - مثلا - قد يعمد الابن إلى أن يتركها لوالده، أي أن هناك قيمًا جماعية يمكن أن يتعلمها من خلال الجو الجماعي الذي يعيشه على مائدة الطعام.
فلنحرص على إحياء هذه السُّنَّة المباركة، بتطبيقها وحث الجميع عليها، حتى ننال البركة المترتبة على الاجتماع على الطعام، وننال أجر إحياء سنة من سنن نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم.