شاهد المعاصرون لرسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم بأعينِهم كثيرًا مِن المعجزاتِ الدّالّة على صدق نبوّته ورسالته، فأراد الله عزّ وجلّ أَن يُريَ أهلَ هذا العصرِ معجزةً لرسولِه صلّى الله عليه وسلّم تتناسبُ مع عصرِهم، ويتبيَّنُ لهم بها أنّ القرآنَ حقٌّ، وتلك البيِّنةُ هي بيِّنةُ الإعجازِ العلميِّ في القرآنِ الكريم والسُّنّةِ النّبويّة، لأنّ كثيرًا من أهل عصرِنا لا يذعنون لشيءٍ كإذعانِهم للعلمِ، على اختلافِ أجناسِهم وأديانِهم.
وقد جعلَ اللهُ جلّ وعلا النظرَ في ملكوتِ السماواتِ والأرض -الذي تقومُ عليه جميع العلومُ التجريبيّةُ- طريقًا إلى الإيمانِ به سبحانه وتعالى، وطريقًا إلى الإيمانِ برسولِه صلّى الله عليه وسلّم، وطريقًا إلى الإيمانِ بدينِه الحقِّ، الذي يدعو إلى العلمِ ويحثّ عليه، والعلمُ يدعو إليه ويُبرهِن عليه.
ولذا فإنّ بإمكان المسلمين أنْ يتقدَّموا لتصحيحِ مسارِ العلمِ في العالَمِ، ليضعوه في مكانِه الصحيحِ اللائق به، ويجعلوه طريقًا إلى الإيمانِ باللهِ عزّ وجلّ، والإيمان برسولهِ صلّى الله عليه وسلّم، ويجعلوه مصدّقًا لِما في القرآنِ الكريم والسنّة النّبويّة، ودليلاً على أحقِّيَّةِ الإسلامِ بالاتّباع والتّصديق.
وإنّ التفكُّرَ في خلقِ السماواتِ والأرضِ عبادةٌ من أجلِّ العباداتِ، والتفكُّرَ في معاني الأحاديثِ عبادةٌ مِن أرفعِ المستويات، وتقديمَها للناسِ دعوةٌ خالصةٌ إلى اللهِ خالقِ الأرضِ والسماواتِ -سبحانه وتعالى-، وهذا كلُّه متحقّقٌ في ما يُكتب حول الإعجازِ العلميِّ في القرآنِ الكريم والسنّةِ النّبويّة، لأنه مِن شأنِه أنْ يحفّزَ المسلمين إلى اكتشافِ أسرارِ الكونِ بدوافعَ إيمانيةٍ، وسيجدُ الباحثون المسلمون في كلامِ الخالقِ عزّ وجلّ عن أسرارِ مخلوقاته أدلّةً تهديهم في أثناءِ سَيْرِهم في أبحاثهم، تقرِّبُ لهم النتائجَ، وتوفِّرُ عليهم الجهود.
إذَا علِمنَا أهميَّةَ ذلك في تقويةِ إيمانِ المؤمنين، ودفعِ الفتنِ والشّبهات التي أَلْبَسها الإلحادُ ثوبَ العلمِ عن عقولِ المسلمين، وفي دعوةِ غيرِ المسلمين إلى هذا الدِّينِ القويم، وفي فهْمِ ما خُوطِبْنَا بهِ في القرآنِ الكريمِ والسنّة الصحيحةِ، وفي حفزِ المسلمين المخلصين إلى الأخذِ بأسبابِ النهضةِ العلميّةِ التي تتوافقُ مع الدين؛ تبيَّنَ مِن ذلك كلِّه أنّ القيامَ بذلك مِن أهمِّ فروضِ الكفاياتِ.
ولذا فإنّنا خصّصنا هذا المحور: "إعجاز السُّنّة النّبويّة"، لتسليط الضّوء على بعض الأحاديث النّبويّة الشّريفة الّتي تحتوي على كمٍّ من الحقائق العلميّة الّتي اكتشفها العلم الحديث مؤخرًا، رغم أنها قيلت منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا من الزّمن، حيث تعرّضنا لبيان وجوه الإعجاز فيها مع التّفصيل، والشّرح، والإيضاح، واللهَ نسأل أن يكتب بها النّفع والفائدة والقبول، إنّه ولي ذلك والقادر عليه.