المرء على دين خليله، وكذلك يحمل مع الدين الخلق والفكر والعادة والتصورات [وإخوانهم يَمُدونهم في الغَي ثم لا يُقصِرون] سورة الأعراف .
• وهذا ما يُعرف بسلطة المحيط الاجتماعي وتداعياتها على العقول والأفكار، والقليل من يهتم بها وينأى عن آثارها.
• وهي من القوى الناعمة، والتي تحتشد بلا جنود ولا قوة ولا حرس، ولكنها تأسر بالبساطة المحتفة بكؤوس الشاي والانشراح الديواني.
• تساهلُ كثير منا في صداقاته ومجالسه، أضعف من عقله وهمته ومسالكه التربوية والحياتية. وفي الحديث الصحيح: (المرء على دين خليله).
• ربّ مجلسِ أُنس وطعام، أخمل همةً، وأضعف تفكيرا، وبتنا في مخانق السطحية وضعف الرأي والوعي.
• نتراكض وراء اللطافة وتخفيف الكآبة، ونتغافل عن الرقي العقلي وعوامل دعم التفكير .
• الصاحب ساحب، يسحب منك جلّ معاني الخلق والاستقامة والعقل والإبداع .
• لا تعجب ممن كنت تعظّم فكره، فانحدر، وقد بات يصاحب الأسافل والرَعاع والهمجيين.
• ولن يكون العقل واعيا بنائيا واستنقاذياً، إلا عبر تغذية سليمة وعالية، من شروطها تجنب الصداقات المعوجة، وقال الحسن البصري رحمه الله:"ما استودع الله أحداً عقلاً إلّا استنقذه به يوما ما"
• إذا أكمل الرحمنُ للمرء عقلَه ... فقد كمُلت أخلاقه ومآربُه
• والناس مجبولون على تشبه بعضهم ببعض، وستُحمل الرداءة الفكرية من جراء مجالس مغلوطة، أو صداقات معتوهة.
• وهذا يشمل الصداقات الطويلة والعابرة، وزملاء الدراسة والأنس.
• وأحيانا صداقة التلامذة لشيوخهم وكتبهم وصيرورتهم أتباعا بلا تثبت وبرهان، وتقليدهم في المواقف والمعتقدات والتصورات المبدئية.
• وإن تاسَ فأسَ على عالم محقق، عاين الحقائق، ولامس البراهين، لكنه لم يَحِد عن طريقة شيخه البدعية، وتحامله على أئمة السلف والحديث، ووافقه في المين والمكر والتزييف.
• وهذا ضرب من الصداقة الفكرية المنتهية للتبعية وفقدان المنطق السليم، وقد قالت العرب:"حبك الشيءَ يعمي ويصم"
تأثيرات الصداقة العقلية
ويظن بعضهم أن التأثر لا يعدو كونه قيميا وأخلاقيا، وغفلوا عن الأثر العقلي، والفداحات الفكرية الملقاة على عواتقهم من جراء تفاهات تحط الفكر، وتسف المسلك، وتبدد الجهود، والله المستعان [إنَّا وجدنا آباءنا على أمة] سورة الزخرف.
ومنها:
١- انحطاط التفكير : بحيث يغرد فيما يسوء ويهون ويكدر، ويوجع القلب.
٢- بلادة الذهن: بسبب الترسبات الواقعة على معالم الإبداع.
٣- التقليد: من فقدان الآلة وفقدان الحركة الفكرية الدائبة.
٤- تشوش الإدراك: لفساد المقدمات والمحكمات الفكرية السليمة.
٥- وهاء المعلومات والقواعد: من جراء مجالسة لا تسمن ولا تغني من جوع.
٦- التخدير المفصلي: والذي يعطل جوهر العقل وتوهجه وتوقده.
٧- ذوبان الإبداع: لتعطل أساسيات التفكير، والرضا بالدونية العقلية.
٨- استصعاب الأمور: لتهالك الإدراك وسيطرة مساحة المخانق على آفاق السعة والانتشار .
٩- التلذذ بالسطحية: لا سيما وقد جاءت من خلال طرائف منعشة، أو مؤانسة مطغية.
١٠- التخوف من التجديد: ومخاصمة الأفكار الجديدة، والرؤى الحديثة بإطلاق.
والخشية أن ينتهي ذاك لاستلاب العقل، وذهاب الذكاء والإبداع، وقناعة المرء بأفكار انهزامية دخيلة تمس دينه ومعتقده وسلوكه، كحديث السنن المحذر من جحر الضب وضيقه وهوانه(لتتبعن سَنن من قبلكم)، والتقاطه المعلومات ومصادره المعرفية من جهات غريبة ومشبوهة...! والسبب صداقات اجتماعية أو كتبية، أو بيئية.
وفي النطاق العلمي يتصاعد التكرار التأليفي، وتختفي مكامن الإبداع، وتشتعل من جديد مسألة " قفل باب الاجتهاد "، والتي كانت إساءة بالغة للإسلام والأمة والعقل والممارسة والتصنيف، ومؤذنة بولادة جيل متخلف عميق الرجعية والانهزام، والله يقول [ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون] سورة آل عمران .
ونحمد الله أن تصدى لها علماء مفكرون وفطناء في حينها ونسفوها من جذورها.. والله الموفق.