التوجيه النبوي الكريم يصاحب حياة المسلم في كل شأنه، في خاصة نفسه، وفي عموم تعامله مع من حوله ممن يشاركه الوجود من البشر ومن سواهم، بما يجعل المسلم يمشي على نور النبوة، وتجمل حياته بهدي الرسالة، وسمو أخلاقها، وكثيرة هي التوجيهات النبوية التي تهدف إلى سمو التعامل، وحسن التفاعل، ومن ذلك التوجيه بالعناية بالطريق التي يشاركه فيها من المارة، والتحفيز على أخذ المبادرة لإزالة ما يتأذى به الناس في طرقاتهم، وهو توجيه نبوي عميق يحمل دلالات تربوية جليلة.
فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله علية وسلم-: «الإيمان بضع وستون ـ أو سبعون ـ شعبة، أعلاها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان». رواه مسلم والبخاري وغيرهما.
وفي سياق الترغيب بهذه المبادرة يرسم لنا النبي صلى الله عليه وسلم مشهدا إيمانياً محفزاً للمبادرة لتهيئة الطريق، وتعبيد السُّبُل الجائرة؛ لتكون صالحة فسيحة، حين قال كما في الصحيحين عن أبي هريرة: «بينما رجل يمشي بطريق، وجد غصن شوك على الطريق، فأخذه، فشكر الله له، فغفر له»، وفي رواية لمسلم قال: «لقد رأيت رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي المسلمين», وفي رواية الإمام أحمد في المسند: «بينما رجل يمشي على طريق وجد غصن شوك، فقال: لأرفعن هذا لعل الله عز وجل يغفر لي به، فرفعه، فغفر الله له به، وأدخله الجنة»، ومما يدخل في مبدأ التحفيز بالثواب قوله صلى الله عليه وسلم: «من رفع حجرا عن الطريق كتبت له حسنة ومن كانت له حسنة دخل الجنة» رواه الطبراني في المعجم عن معاذ، وحسنه الألباني، وقوله: «عرضت علي أمتي بأعمالها حسَنِها وسيئِها، فرأيت من محاسن أعمالها إماطة الأذى عن الطريق، ورأيت في سيِّئِ أعمالها النُّخاعة في المسجد لم تدفن» الإمام أحمد عن أبي ذر، وعند البخاري في الأدب المفرد عن أبي ذر مرفوعا: «وَإمَاطَتُكَ الْحَجَرَ وَالشَوْكَةَ وَالْعَظْمَ عَنِ الطَّرِيقِ لَكَ صَدَقةٌ»، وصححه الألباني.
وفي المقابل فإن التعامل السلبي تجاه الطريق يحمل صاحبه تبعة العقوبة قوله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: «اتقوا اللاعنين» قالوا: وما اللاعنان؟ يا رسول الله، قال: «الذي يتخلى في طريق الناس أو ظلهم»، وعلاوة على ذلك فإنه داخل في عموم أذية المسلمين، قال الله عز وجل: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً} {الأحزاب:58}.
ففي هذه الأحاديث تنشئة للإحساس الجماعي لدى المسلم، فالطريق مشترك إنساني، يعبر عن ثقافة المجتمع وسلوكه، والتوجيه النبوي نحو الحفاظ على الطريق يعمق روح الجماعة، ويحيي ضمير الفرد بالحفاظ على المصالح المجتمعية، ويعزز لديه الشعور بالمسؤولية تجاه المكتسبات والخدمات العامة، وهو بذلك ينطلق من خلال عقيدته وتصوره الذي بناه الإسلام من خلال هذه التوجيهات السامية، فهو يدفع عن الناس مظاهر الضرر، وأسباب الهلاك من خلال موقعه مستخلفاً في هذه الأرض، مشاركاً في بناء حضارته، متكاملا مع من حوله بإيجابية وفاعلية
إن هذه الثقافة الإسلامية لمسؤولية الفرد المسلم نحو الطريق لا يمكن أن يصنعه أي قانون على وجه الأرض، فإماطة الأذى عن الطريق من شعب الإيمان وأعماله، فهو ينطلق من باعث ذاتي، نابع من عقيدة راسخة، وخلفية أخلاقية عالية.
والإسلام يجعل هذه التوجيهات مرتبطة بمبدأ الثواب الأخروي، والجزاء السرمدي، فالمسلم يتعبد بالحفاظ على الطريق رغبة وقربة، بينما القانون المجرد قد يحمل الفرد على الالتزام ظاهراً، ما دام تحت الأضواء وكاميرات الرقابة؛ خوفا من أن تطاله العقوبة الدنيوية، فضلا عن أن يبادر لإزالة أذى الطريق دون عائد مادي، أما التوجيه الإيماني فهو ملازم لصاحبه في كل أحواله، ولا يتغير سلوكه ولو كان بعيداً عن الرقابة مستتراً عن الأنظار، فحسن التعامل جزء من لا ينفك عن إيمانه، وتصوره عن وجوده وعلاقته بالكون والحياة.