وفاة الشيخ عبد الحميد طهماز 15 صفر 1431 هـ (2010م):
الشيخ عبد الحميد طهماز عالم من علماء حماة، تعلم في سوريا وتخرج من كلية الشريعة بدمشق ولازم الشيخ محمد الحامد شيخ علماء حماة لسنوات ثم ذهب إلى السعودية وتنقل في عدد من مدنها ودرّس في عدد من معاهدها.
ترك آثارا علمية كثيرة سلك في أكثرها أسلوب التجديد في طريقة التأليف، ومن أشهر مؤلفاته التفسير الموضوعي لسور القرآن، وكذلك سلسلة الفقه الحنفي في ثوبه الجديد والذي وضعه بأسلوب سهل يلائم قراء العصر الحديث وقد تُرجم إلى العديد من اللغات.
مولده و نشأته:
اسمه: عبد الحميد محمود عبد القادر طهماز.
ولد في مدينة حماة بسورية عام 1356 هـ الموافق 1937م، ونشأ بها، وتعلم في مدارسها حتى نال الشهادة الثانوية.
ثم انتسب إلى كلية الشريعة بجامعة دمشق وتخرج فيها مع الدفعة الثانية التي تخرجت من هذه الكلية عام 1959م.
شيوخه:
لازم الشيخ محمد الحامد رحمه الله، ملازمة تامة، لمدة سبع سنوات، واستفاد من علمه الكثير.
ومن شيوخه في كلية الشريعة بدمشق:الدكتور مصطفى السباعي، والأستاذ محمد المبارك، والعلامة مصطفى الزرقا، والدكتور محمد معروف الدواليبي، والشيخ محمد المنتصر الكتاني، والدكتور محمد فتحي الدريني، والدكتور مصطفى الخن، وغيرهم رحمهم الله تعالى.
ومن أقرانه في كلية الشريعة: الشيخ الدكتور محمد هشام البرهاني، والشيخ الدكتور محمد عجاج الخطيب، والدكتور محب الدين أحمد أبو صالح، والدكتور محمد فاروق بطل، وغيرهم .
أعماله ووظائفه:
- عمل بعد تخرجه من كلية الشريعة مدرسا لمادة التربية الإسلامية في ثانويات أبي الفداء، والسيدة عائشة، وابن رشد، بمدينة حماة.
- بالإضافة إلى عمله خطيبا ومدرسا بجامع السلطان بحماة خلفا للشيخ محمد الحامد رحمه الله لمدة 12 سنة.
- ثم سافر إلى الرياض عام 1980م، وعمل معيدا في معهد تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية لمدة سنتين، وشارك في إعداد المنهج الدراسي للطلاب .
- ثم ذهب إلى المدينة المنورة، فدرس في المعهد العلمي لمدة سنتين، ثم في المعهد العلمي في نجران لمدة سنتين أيضا، ثم انتقل إلى مكة المكرمة ودرس في المعهد العالي لإعداد الأئمة والدعاة التابع لرابطة العالم الإسلامي إلى أن أحيل إلى التقاعد.
- وبعد تقاعده عن العمل في المعهد تفرّغ للبحث والتأليف وأقام في مكة المكرمة ثم في الرياض عند ابنه حتى وفاته رحمه الله.
من كلامه في كتبه:
- لقد أصبحت الكثير من المجتمعات الإسلامية، في أمس الحاجة إلى العودة إلى هدي الشريعة الإسلامية، بعد أن ذاقت مرارة فشل القوانين الوضعية، وقصورها وضعفها، وخاصة في المجال الاجتماعي والأخلاقي، فقد أورثتها القوانين الوضعية خللاً كبيراً في العلاقات الاجتماعية بين الرجال والنساء، وانحلالاً أخلاقياً كبيراً، أدى إلى تفسخ العلاقات الزوجية، وانهيار كثير من الأسر، وضياع الأنساب، وكثرة المشردين، وازدياد مستوى الجريمة، وهي نفس الآفات الاجتماعية التي أصيبت بها المجتمعات الغربية.
- لا خوف على الشريعة الإسلامية فهي محفوظة في الأرض كما هي محفوظة في السماء في اللوح المحفوظ (بل هو قرآنٌ مجيد في لوح محفوظ) إنما الخوف على المسلمين الذين هجروا كثيراً من أحكام شريعة دينهم، واستبدلوا بها قوانين وضعية جائرة فاشلة، أورثتهم التخلف والتمزق والضياع، كما أورثت المجتمعات البشرية الأخرى القلق والحيرة والبؤس.
- من وجوه الإعجاز في القرآن الكريم أنه خاطب الناس في عصر التنزيل على قدر فهم عقولهم وتصوراتهم، وفي الوقت نفسه فإن كلماته تتسع لمعان كثيرة متجددة لا يمكن حصرها بحيث تنسحب على جميع ما كان ويكون من الحقائق فهو جديد دائماً لا تنتهي معانيه، ولا يخلق على كثرة الرد.
- أول دروس قصة يوسف وعظاتها أنها بينت خطورة الحسد وشدة تأثيره على النفوس وما يترتب عليه من ارتكاب الجرائم وحدوث الخصام، .. وأكثر ما يقع الحسد بين الإخوان والأقارب والجيران والأقران وقد وقعت أول جريمة قتل في الأرض بسبب الحسد.
- إن الشريعة الإسلامية تملك مخزونا هائلا من التجارب الناجحة، لأنها طوفت في أفاق بعيدة شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، وطبقت على شعوب وأمم مختلفة وأجناس متباعدة، ونزلت السهول والوديان وصعدت قمم الجبال، وعاصرت الرخاء والشدة والتقدم والتخلف، وأعطت جميع الأمم والشعوب التي لجأت إليها أيسر الحلول لمشاكلها، فما قصرت عن حاجة، ولا قعدت عن الوفاء بأي مطلب تشريعي.
- من الوسائل التي شرعها الله تعالى للمظلومين لدفع الظلم عنهم وتحصيل حقوقهم التشهير بالظالمين وفضحهم بين الناس وقد أثبتت الوقائع جدوى هذه الوسيلة في ردع الظالمين عن ظلمهم وخاصة في العصر الحاضر بعد أن أصبح لوسائل الإعلام تأثير قوي على الناس ولهذا نرى الطغاة المستبدين عندما يتسلمون مراكز السلطة يبادرون إلى تسخير رجال الاعلام ووسائله لخدمة أغراضهم والتستر على طغيانهم وظلمهم وفسادهم.
- الحياة الدنيا مهما امتدت فهي ساعة من نهار بالنسبة للخلود والبقاء، ويتعالى الله الحكيم العليم أن يخلق الخلق على هذا النظام البديع المحكم لهذه الأعمار القصيرة الحقيرة الزائلة الفانية، فالإنسان لا ينتهي بالموت فانتبهوا أيها اللاهون العابثون المغترون بحياتكم وأعماركم فمصيركم ومرجعكم إلى خالقكم إلى واهب الحياة ومبدع الكائنات.
- الحق واضح أبلج، تؤيده حجج كثيرة قاطعة، وتدل عليه دلائل كبيرة، وهو قريب من الإنسان في كل عصر ومكان، ولا يحتاج الإنسان لكي يعرفه إلا إلى جهد قليل من النظر، يراه بعد ذلك واضحا بارزا، ويسمعه مجلجلا مدويا.
- في سورة الكهف بيان لأسباب السلامة من فتن الحياة الدنيا، ولهذا سنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قراءتها كل يوم جمعة، وهو أفضل أيام الأسبوع عند المسلمين، .. فقراءة سورة الكهف فيه مناسبة طيبة لتخلية النفس والقلب عن صدأ الغفلة عن الله سبحانه وتعالى بسبب شدة الاهتمام بالدنيا ومشاغلها وهمومها ومشكلاتها، وفي قراءة سورة الكهف أيضاً تنوير القلب والنفس بنور التلاوة وهدي النبوة، وتحصينهما بالمعاني الطيبة الكريمة التي ركَّزت آيات السورة عليها، لقد تضمنت السورة ذكر أهم أسباب الفتن في الحياة الدنيا، وبيَّنت موقف المؤمن منها، وشرعت له أسباب السلامة والنجاة بأسلوب القصة، فكانت في موضوعها موافقة لاسمها كهف السلامة والأمان.
- الحكمة من تخصيص شهر رمضان بعبادة الصيام أنه تعالى أنزل فيه القرآن الكريم وهو أعظم الأحداث التي مرت على الإنسانية وكانت له أعظم الآثار في تاريخها فكأن الصيام في هذا الشهر فيه شكر لله تعالى على النعمة الجليلة التي تفضل بها عليهم فيه وهي نعمة إنزال القرآن الكريم.
مؤلفاته:
لقد أثرى الشيخ عبد الحميد طهماز المكتبة العربية والإسلامية بأكثر من عشرين مؤلفا في الفقه والتفسير والسيرة وسير الأعلام، التي سلك في أكثرها أسلوب التجديد في طريقة التأليف، ومن أشهر مؤلفاته:
1- "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" وهو أهم مؤلفاته، حيث كان يجعل تفسير السورة في كاملها على أشهر موضوع ارتكزت عليه وكان يطبع تفسير كل سورة بمفردها، حتى طبع كاملا في طبعة أنيقة 8 مجلدات طبع دار القلم بدمشق، عدد الصفحات 4907 صفحة.
2- "الفقه الحنفي في ثوبه الجديد" (5 مجلدات، عدد الصفحات 2464) اعتنى فيه بتقديم صياغة جديدة وميسرة للأحكام الشرعية على مذهب الإمام أبي حنيفة مع ذكر الدليل من الكتاب والسنة.
3- الصحيح أن كل ما في البخاري صحيح (26 ص 1965م) مكتبة دار الدعوة، حماة.
4- نظرات في كتاب الحلال والحرام في الإسلام للدكتور يوسف القرضاوي (56 ص، 1970م) دار الدعوة، حماة.
5- ميزات الشريعة الإسلامية على القوانين الوضعية(112 ص، 1991م) دار القلم، دمشق.
6- إرشاد الناس إلى أحكام الحيض والنفاس (88 ص 1969م، دار الدعوة حماة، قدم لها الشيخ محمد الحامد).
7- العلامة المجاهد الشيخ محمد الحامد.
8- السيدة عائشة أم المؤمنين وعالمة نساء الإسلام.
9- عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، الإمام البحر عالم عصره.
10- أنس بن مالك الخادم الأمين والمحب العظيم.
11- السيدة خديجة أم المؤمنين وسباقة الخلق إلى الإسلام.
12- أبو موسى الأشعري الصحابي العالم المجاهد.
13- معاذ بن جبل إمام العلماء ومعلم الناس الخير.
14- أبو عبد الرحمن السلمي شيخ قراء الكوفة.
15- النور والسراج المنير.
16- الإنسان في نظر الإسلام.
17- يا بني إسرائيل.
18- فتيان أسلم ... قصص من السيرة النبوية.
19- فرسان مخزوم ... قصص من السيرة النبوية (103 ص، دار السلام القاهرة 1986م).
20- الأنساب والأولاد دراسة لموقف الشريعة الإسلامية من التلقيح الصناعي وما يسمى بأطفال الأنابيب (79 صفحة 1987م دار القلم دمشق.
21- حياتنا والموعد المجهول (101 ص 1986م، دار القلم دمشق).
22- الأربعون العلمية صور من الإعجاز العلمي في السنة النبوية (1997م دار القلم دمشق) وهذا الكتاب بجمع أربعين حديثاً مبيناً ما فيها من حقائق علمية وواقعية.
23- السنن الإلهية في الخلق (2000م، دار القلم، دمشق).
24- الزواج في الإسلام (142ص، 1987م شركة الشعاع للنشر، الكويت).
25- من ذخائر القرآن والسنة في التربية والتهذيب (176ص، 1999م دار القلم، دمشق).
26- سيرة النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن والسنة الصحيحة مع بيان ما فيها من الفوائد والدروس والعبر (591 صفحة 2003م، دار القلم، دمشق).
وفاته:
توفي الشيخ عبد الحميد طهماز الحموي مساء يوم السبت 15 صفر الخير 1431 هـ، الموافق 30 يناير 2010 م في مدينة الرياض، عن عمر يناهز الثالثة والسبعين عاما وقد صُلـّي عليه في جامع الراجحي في الرياض، ودفن في مقبرة حي النسيم، رحمه الله تعالى وجزاه عما قدم لدينه وأمته خير الجزاء.
ورثاه أحد الشعراء بقوله
جاد القريض فسـال فيـض معـاني وهمى القصـيد بمرسـلات بيـانِ
لمـا أتـى نعـي الإمـام فهـزنا خبـر تخـر لـه عـرى الأركـانِ
..
عبـدالحمـيد اليـوم فـارق دارنا ورقـت بـه الأمـلاك للـرحمـنِ
..
ناداك صـوت الحق يا طهمـاز سر نحـو العـلا في جنـة الرضـوانِ
فأجبـت داعـيه ولبيـت النـدا لتعيـش في الأخـرى بعمـر ثـاني
..
مـا كنـت إلا تاليـاً لكتـابـهِ مستخـلصـاً منـه بديـع معـاني
أو صابـراً يرجـو جبيـرة كسـرهِ أو سابـحـاً في الذكـر والقـرآنِ
..
حفّـت برمسـك رحمـة منشـورةٌ وسَقَـت ثـراك سحـائب الغفرانِ
ولسـوف تشـرق في سمـاء علومنا كالشمـس تسطـع في علا الأكوانِ