إبراز مقاصد الشريعة في الدعاء النبوي يأتي في سياق إيضاح الربط بين تكاليف الشريعة وبين تحقيقها لمصالح العباد، وفيه إبراز لمكانة الشريعة، ودعوة إلى العمل بها؛ لأن الطبيعة البشرية تحب ما ينفعها، وتميل إلى ما يحميها من الأضرار المحيطة بها.
والذي يدعو لتأمل هذه الأدعية، واستخلاص المقاصد منها هو كمال مبناها ومعناها، فألفاظها موجزة، ودلالاتها عظيمة واسعة، مشتملة على المقاصد العظيمة كما قال الخطابي في "شأن الدعاء"، مع «غاية الاختصار، وحسن البيان» كما قال ابن القيم في إغاثة اللهفان.
وهي مشتملة على لغة غنية، وأدب جميل؛ ذلك أن مصدرها «الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه»أخرجه الترمذي في سننه.
ونبينا ﷺ كما في أعلام النبوة، للماوردي: «أفصح الناس لسانا، وأوضحهم بيانا، وأوجزهم كلاما، وأجزلهم ألفاظا، وأصحهم معاني، لا يظهر فيه هُجْنة التكلّف، ولا يتخلله فَيْهَقَة التَّعَسّف» والمتفيهق هو الذي يتوسع في كلامه، ويتَنَطَّع فيه، ويفتح به فاه.
وكل ما يحفظ المقاصد الشرعية، سواء منها الضرورية، أو الحاجية، أو التحسينية فهو مصلحة، وكل ما يفوتها فهو مفسدة.
وبالأدعية الشرعية ييسر الله للعباد مصالحهم في العاجل والآجل، كما قال ابن القيم في الفوائد: «فإذا كان كل خير فأصله التوفيق، وهو بيد الله لا بيد العبد، فمفتاحه الدعاء، والافتقار، وصدق اللجأ، والرغبة والرهبة إليه، فمتى أعْطى العبدَ هذا المفتاح فقد أراد أن يفتح له، ومتى أضله عن المفتاح بقي باب الخير مرتجًا دونه .. وما أُتِي من أُتِي إلا من قبل إضاعة الشكر وإهمال الافتقار والدعاء .. ولا ظَفِر من ظَفِر- بمشيئة الله وعونه- إلا بقيامه بالشكر وصدق الافتقار والدعاء».
الأدعية المأثورة وعلاقتها بأجناس المقاصد الضرورية والحاجية والتحسينية:
لما كان الدعاء النبوي من جوامع الكلم، فإن الدعاء الواحد على وجازة لفظه قد يجتمع فيه من المطالب التي تتضمن مقاصد الدين، ومصالح الدنيا والآخرة، والتنبيه على أجناس المصالح الدنيوية والأخروية، وهذه بعض الأمثلة على ذلك:
لما كان الدعاء النبوي من جوامع الكلم، فإن الدعاء الواحد على وجازة لفظه قد يجتمع فيه من المطالب التي تتضمن مقاصد الدين، ومصالح الدنيا والآخرة، والتنبيه على أجناس المصالح الدنيوية والأخروية، وهذه بعض الأمثلة على ذلك:
أ. ما ورد أن النبي ﷺ كان يدعو بقوله: «يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين» أخرجه الحاكم في المستدرك، وهذا الحديث من جوامع الكلم؛ لأن صلاح الشأن كله يتناول أمور الدنيا والآخرة جميعها، فيفوز قائل هذا- إذا تفضل الله عليه بالإجابة- بخيري الدنيا والآخرة، وهذا الدعاء من مجامع المصالح التي جاء الإسلام لرعايتها، والحفاظ عليها.
ب. حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله ﷺ علّمها هذا الدعاء: «اللهم إني أسألك من الخير كله، عاجله وآجله، ما علمت منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشر كله، عاجله وآجله، ما علمت منه وما لم أعلم .. وأسألك أن تجعل كل قضاء قضيته لي خيرا» أخرجه ابن ماجه في سننه، وهذا الدعاء قد حوى معاني تتصل بجلب مصالح الدنيا والآخرة ودفع المفاسد فيهما، بلفظ موجز بليغ.
ج. ومنها: الدعاء النبوي المأثور:«اللهم احفظني من بين يَدَيَّ ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي، ومن فَوْقِي وأعوذ بعظمتك أن أُغْتالَ من تَحْتي» أخرجه أبو داود في سننه.
وفيه طلب حفظ الضروريات، حيث تضمن هذا الدعاء الطلب من الله بأن يحفظ الداعي من المهالك والبلايا التي تعرض لابن آدم من الجهات الست، ويمكن أن يكون مثالًا لما يتعلق بحفظ الحاجيات، فقد تضمن تضرع الداعي إلى الله بأن يحفظه من الأمراض والأخطار التي تدخله في الضيق والحرج والمشقة، وتعكر عليه صفو حياته، كما يمكن أن يكون مثالًا للتحسينيات، لأن الدعاء عام يشمل الأمراض البسيطة التي لا تؤدي إلى الهلاك أو إلى الحرج والمشقة، كما يشمل التضرع إلى الله بأن يحفظه مما يدنس سمعته من الأخلاق السيئة والأعمال المشينة التي تأنفها العقول السليمة.
د. ومنها: دعاء النبي ﷺ:«وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي» أخرجه مسلم في صحيحه.
فإن كان الدعاء لطلب ما يسد رمق الإنسان من المطعم، وما يقيه بأس الحر وشدة البرد من الملبس والمسكن، ويدفع عنه الهلاك، فهو مثال للضروريات، وإن كان لطلب الكفاية فيما يحتاج إليه من ذلك بحيث يدفع عنه الضيق والحرج، فهو مثال للحاجيات، وإن كان لطلب اللذيذ من الطعام والجميل من اللباس والواسع من المسكن، وما يتصل بذلك من الآداب الحسنة، فيصلح مثالًا للتحسينيات.
الأدعية المأثورة وعلاقتها بمقصد حفظ الدين من جانب الوجود:
ليس بخفي بروز مقصد حفظ الدين في جمل الدعاء النبوي الذي كان يدعو به، ويعلمه لأصحابه؛ إذ إنه هو مقصد المقاصد، ولما كانت طريقة حفظ المقاصد تتم وفق قانون الوجود والعدم، فجانب الوجود بمعنى: المحافظة عليه بما يقيم أركانه ويثبت قواعده، ومن جانب العدم بمعنى: درء الفساد عنه الواقع أو المتوقع، فنبدأ بإيراد الأدعية التي تضمنت حفظ الدين من جانب الوجود، ومن أمثلتها:
ليس بخفي بروز مقصد حفظ الدين في جمل الدعاء النبوي الذي كان يدعو به، ويعلمه لأصحابه؛ إذ إنه هو مقصد المقاصد، ولما كانت طريقة حفظ المقاصد تتم وفق قانون الوجود والعدم، فجانب الوجود بمعنى: المحافظة عليه بما يقيم أركانه ويثبت قواعده، ومن جانب العدم بمعنى: درء الفساد عنه الواقع أو المتوقع، فنبدأ بإيراد الأدعية التي تضمنت حفظ الدين من جانب الوجود، ومن أمثلتها:
أ- ما ورد أنه كان من دعاء النبي ﷺ: «اللهم زَيِّنّا بزينة الإيمان» أخرجه النسائي في سننه، ومثله ما أُثر أن النبي ﷺ كان يدعو بهذا الدعاء: «اللهم حبّب إلينا الإيمان وزيّنه في قلوبنا» أخرجه أحمد في مسنده.
ب- ومن أذكار الصباح والمساء: ما روي أن النبي ﷺ كان يقول: «أصبحنا على فطرة الإسلام، وكلمة الإخلاص، ودين نبينا محمد ﷺ، وملة أبينا إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين» أخرجه أحمد في مسنده يفتتح المسلم يومه ويختمه بتجديد الإيمان، وإعلان التوحيد.
ج. والدعاء بالثبات على الدين في قوله صلى الله عليه وسلم: «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك» أخرجه الترمذي في سننه.
د. وكان ﷺ يعلّم أصحابه أن يتضرعوا إلى الله بقولهم: «اللهم إني أسألك الثبات في الأمر» أخرجه الترمذي في سننه، أي: الدوام على الدين والاستقامة، ومدار الدين على أصلين: العزم والثبات.
هـ- وورد أنه كان من دعاء النبي ﷺ:«اللهم مصرف القلوب صرّف قلوبنا على طاعتك» أخرجه مسلم في صحيحه.
الأدعية المأثورة وعلاقتها بمقصد حفظ الدين من جانب العدم:
ورد في الأدعية المأثورة ما يحفظ الدين من جانب العدم، وذلك بدرء ما يضره، ودفع المخاطر التي يتوقع أن تضر بالدين، كطلب العبد أن يحفظه الله من الكفر والشرك.
ورد في الأدعية المأثورة ما يحفظ الدين من جانب العدم، وذلك بدرء ما يضره، ودفع المخاطر التي يتوقع أن تضر بالدين، كطلب العبد أن يحفظه الله من الكفر والشرك.
أ. وقد استعاذ النبي ﷺ من الكفر وما يجرّ إليه، فكان يقول في دبر الصلاة: «اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر» أخرجه النسائي في سننه.
ب. أرشد النبي ﷺ أصحابه إلى أن من الشرك ما يكون أخفى من دبيب النملة، ووجههم إلى دعاء يذهب الله به عنهم صغار الشرك وكباره، وهو: «اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم» أخرجه البخاري في الأدب المفرد، وصححه الألباني.
ج. وأرشد النبي ﷺ المسلمين إلى أن يلتجئوا إلى الله، ويطلبوا منه العفو والعافية ليعصمهم من الفتن، فقال ﷺ: «سلوا الله العافية» رواه البخاري، من كل ما فيه شر، وأول ذلك وأولاه الذنوب.
وجاء في آخر الحديث: «ثم بكى» أي النبي ﷺ، وقال بعض العلماء: إنما بكى لأنه علم وقع أمته في الفتن، وسيطرة الشهوة والحرص على جمع المال وتحصيل الجاه.
د. ومما ورد في دعاء القنوت: «ولا تجعل مصيبتنا في ديننا» أخرجه الترمذي في سننه، أي: يا رب لا تصبنا بما ينقص ديننا ويذهبه من اعتقادٍ سيئ أو تقصيرٍ في الطاعة أو فعل محرم؛ لأن المصيبة في الدين أعظم المصائب.
ه. استعاذته ﷺ بالله من كل ما يمنع من أداء الطاعات، فكان كثيرًا ما يقول: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن وضلع الدين وغلبة الرجال» صحيح البخاري.
و. ولما طلب أبو بكر رضي الله عنه من النبي ﷺ أن يعلّمه دعاء يدعو به في صلاته وفي بيته، قال له النبي ﷺ: «قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم» أخرجه البخاري في صحيحه.
وبتتبع الأدعية المأثورة يتبين أن لها علاقة واضحة بحفظ مقاصد الشريعة، وقد حافظت الشريعة على الدين من جانب الوجود، وذلك بحفظ ما يقيم أركانه ويثبت قواعده من خلال شعيرة الدعاء المأثور، بسؤال الله تعالى الهداية إلى الإيمان والدين الصحيح، والاستقامة عليه، والدعوة إليه، وحمده تعالى على ذلك، والخضوع إليه سبحانه بأن يوفق الداعي إلى طاعته وأن يتقبلها منه، وأن يسخر له وسائل طلب العلم الشرعي الذي يكون سبيلًا للهداية إلى الدين، ثم سؤال الله الجنة وما يقرب إليها من قول أو عمل.
كما حافظت الشريعة على الدين من جانب العدم، وذلك بدرء أسباب الاختلال الواقع أو المتوقع فيه، فوردت أدعية تضمنت توسلًا من العبد إلى ربه أن يحفظه من الكفر ومن الشرك، وأن يصون دينه من أي نقصان طارئ في أصله، وأن يحميه من الفتن التي تضر به، كما وردت أدعية يستجير فيها الداعي بالله تعالى من التكاسل عن فعل الطاعات أو التهاون بها، ويتضرع إليه أن يعصمه من المعاصي التي تؤدي به إلى النار، كما شرع للعباد أن يطلبوا من مولاهم الهداية إلى التوبة والإنابة إليه وطلب مغفرة الخطايا ومحو السيئات؛ ليصبح العبد طاهرًا نقيًّا، وفي إيضاح العلاقة بين الأدعية المأثورة وحفظ مقاصد الشريعة تأكيد على أهمية الأدعية المأثورة في حياة المسلم، وحث على الإقبال عليها، وحادٍ له إلى تحقيق العبودية الحقة لله تعالى في أحواله كلها.