تحتفي الأمة الإسلامية برمضان احتفاء عظيماً، ولكل بلد - تقريباً - موروث ثقافي يتعلق برمضان، وهي موروثات تعبر عن البهجة باستقبال رمضان، وهي بهجة تأخذ أشكالاً وصوراً متعددة من طرق الاحتفال، تتوارثها الأجيال جيلاً بعد جيل.
وهذا يدل على رسوخ هذا الدين، وتجذره في قلوب المسلمين سواء كانوا عرباً أو عجما، وهذا بلا شك من تعظيم شعائرالدين، فما من بلد مسلم إلا وأهله يستقبلون رمضان بانشراح وفرح، ورغم أن الصوم يؤدي لامتناع الإنسان عن بعض المباحات، إلا أن المسلمين يرون فيه حرية وتحرراً من شهوات النفوس، ويقبلون على الصوم طائعين فرحين.
الشعوب المسلمة اتخذت اشكالاً من الاحتفال برمضان، وتولدت عندها عادات وثقافات تتعلق بهذا الركن العظيم، هذه التقاليد والثقافات تختلف من بلد لآخر، وتتخذ أطواراً لا تخلوا من الغرابة، والظرف والإمتاع، وإذا تتبعنا هذه العادات في بعض بلدان المسلمين نجد منها ما هو مسلٍ وجميل.
وفي هذه المقالة نتتبع بعض هذه العادات باختصار وإجمال، حتى لا يطول الكلام.
يحتفل التونسيون برمضان احتفالات عظيمة والبداية من الاسم فهم يطلقون على رمضان: "سيدي رمضان" فهم يجعلونه سيداً على الشهور؛ وهو كذلك، وفي رمضان تزيد حركة الأسواق عندهم، ويشرعون في بدايته بشراء المستلزمات الغذائية من التوابل والدقلة (التمر التونسي) والشعير وغيرها من لوازم المطبخ في رمضان.
أما أهل السودان فلهم مع رمضان شأن عجيب، فقد تعارف الناس في السودان على وجوب خروج الرجال للساحات بإفطاراتهم وقت الإفطار، فيجتمع رجال الحي في ساحات عامة، وأمام البيوت المتجاورة ليفطروا سوية، ويفطر معهم كل من كان في الطريق، والغرض من هذه العادة إتاحة الفرصة لعابري السبيل والفقراء لتناول الطعام معهم، بل لقد رأيت بنفسي على الطرق الكبيرة؛ رأيت رجالاً وقت الإفطار يمنعون السيارات من العبور على الطرق حتى يشاركوهم في الإفطار؛ فهم يرغمون المارة على النزول ويقدمون لهم الإفطار ثم بعد الإفطار يتركونهم يمضون.
وعندهم أشربة خاصة برمضان منها ( الحلو مر) شراب يعد من الذرة، والتمر هندي، وعصير حبوب القنقليز، والليمون، يختفي هذا الشراب بعد رمضان من موائد السودانيين تماماً.
وفي مناطق الحرمين وماجاورها من المملكة العربية السعودية يقوم الناس بتنظيف المنزل وتغيير مواضع الأثاث للتجديد، ومن أشهر عاداتهم "نصبة الشاهي"، والتي يتم تخصيص مكان لها في أحد جوانب غرفة الجلوس، حيث توضع طاولة قصيرة وعليها "سماور"، وهو وعاء معدني لإعداد الشاي على البخار، ويتم تقديمه بعد الإفطار حسب الرغبة، وتظل "نصبة الشاهي" طوال أيام رمضان ويتم إزالتها مع أول أيام العيد.
وأما أهلنا في المملكة الغربية فيبدأون الاحتفال بقدوم رمضان أسابيع قبل حلوله، وبعض العائلات تقتني أوانٍ جديدة للمطبخ، وتغير أثاث البيت خصوصاً صالة الضيوف، ويُعِدون ثياباً تقليدية خاصة برمضان، وهي ملابس للرجال والنساء والأطفال، يلبسونها عند استقبال الضيوف، ولا يقبلون المشاركة في إفطار أو سحور إلا بعد ارتداء هذا الزي المميز وهو زي فيه حشمة ووقار ونخوة وفخامة مع بساطته.
وإن وصلت للجزائر فأول ما يلفت انتباهك عند حلول رمضان هو "قفة رمضان" وهي عمل تعاوني تكافلي بامتياز، وقفة رمضان تعني أن يتعاون أهل الحي على إعداد سلة رمضانية تشمل أهم مستلزمات رمضان توزع هذه السلال على الفقراء والمساكين.
وفي الجزائر قبل رمضان بأسبوع يقومون بغسيل ساحات المساجد، وترى الأطفال يخرجون بالأكياس لتنظيف الشوارع؛ لأن المساجد لن تتسع لأعداد المصلين الكبيرة، مما يجعلهم يصلون في الشوارع ، كما يتم تنظيف البيوت ودهان الغرف، وتخرج النساء لشراء مستلزمات جديدة للمطبخ من أطباق وأكواب، وخلطات التوابل وتحضيرها، وترقيد (تخليل) الفلفل والزيتون.
أما الأتراك فلهم في استقبال رمضان طقوس عجيبة، واحتفالات كبيرة، فبمجرد ثبوت الرؤية تنطلق الزغاريد في كل بيت لتعبر عن هذه الفرحة بالبشرى التي زفت إليهم ببدء الصوم في اليوم التالي، وتنطلق في البيوت روائح المسك والعنبر وماء الورد من جراء نثرها على عتبات الأبواب والحدائق المحيطة بالمنازل طيلة أيام رمضان الكريم.
وإن وصلنا لإندونيسيا هذا البلد الجميل نجد أيضاً فرح الناس بمقدم رمضان باد في كل مكان فالحكومة الإندونيسية تستقبل رمضان بمنح إجازة للطلاب في الأسبوع الأول من رمضان للتعود على الصيام، ومن مظاهر دخول رمضان عندهم قرع الطبول التقليدية المعروفة باسم "البدوق".
وأهل "بيشاور" في الباكستان يحتفون برمضان و كأنه يوم عرس، يجمع فيه كل الأطفال الذين يقومون بالصوم لأول مرة؛ فيكرمون من قبل الآباء والسكان، ويمنحون الجوائز، ويطلق الرصاص في الهواء؛ تشجيعاً وتكريماً لهؤلاء الصبية.
وفي ماليزيا تعكف الإدارات المحلية على تنظيف الشوارع عقب استطلاع هلال رمضان ويقوم الناس بنشر الزينة الكهربائية في الميادين الرئيسية احتفالًا باستقبال الشهر الكريم.
وفي نيجيريا لابد أن تجمع الأطعمة التي تم إعدادها في كل منزل، ويتم تقسيم الموائد أمام أقرب منزل إلى جزأين أحدهما للرجال والآخر للنساء، و تحرص كل أسرة على استضافة أحد الفقراء يومياً على مائدة الإفطار، كنوع من التكافل الاجتماعي خلال شهر رمضان.
ومن عادة بعض الناس في موريتانيا؛ الحرص على حلق شعر الرأس في بداية رمضان حتى ينبت شعر جديد في رمضان، فيكون ذلك نوع من الفأل الحسن، وهو ما يسمى عندهم ب"زقبة رمضان" أي شعر نبت في رمضان، كذلك بعض الموريتانيين يحبون أن تتم مناسبات الزواج في شهر رمضان، خلافاً لأغلب الشعوب.
أما المسحراتي فهو موروث عند أغلب الشعوب المسلمة، وله تاريخ ضارب في القدم في مصر والشام والمغرب وغيرها، وفكرته تقوم على تذكير الناس بوقت السحور حتى لا تفوتهم سنة السحور أو ينامون عنها.
ويقال إن أول مَن بدأ مهنة المسحراتي والي مصر العباسي، إسحاق بن عقبة فقد كان يطوف شوارع القاهرة، ليلًا في رمضان لإيقاظ أهلها لتناول طعام السحور، وكان يذهب سائرًا على قدميه من مدينة العسكر في الفسطاط، إلى جامع عمرو بن العاص، وينادي الناس بالسحور.
وتطورت مهنة المسحراتي على يد"ابن نقطة" المسحراتي الخاص بالسلطان الناصر محمد بن قلاوون، فتم استخدام الطبلة، والتي كان يُدق عليها دقات منتظمة، وذلك بدلاً من استخدام العصا، هذه الطبلة كانت تسمى "بازة"، يدق عليها المسحراتى دقات منتظمة، ثم تطورت مظاهر المهنة، فأصبح المسحراتي يشدو بأشعار شعبية، وقصص من الملاحم، وزجل خاص بهذه المناسبة.