الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من مؤهلات المحاور الناجح

من مؤهلات المحاور الناجح

من مؤهلات المحاور الناجح

يكثر الضجيج في أيامنا هذه؛ والكل يدعي أنه يحاور ويناظر، وهو حوار أشبه بحوار الطرشان، لأنك ترى من يريد أن يفرض رأيه ويطرح أجندته، يقزم رأي المخالف، ويلغي الآخر، ويرى أنه قد ملك الحق، ونطق باسم الحقيقة، يسفه غيره، ويزدري قناعة المقابل له، يعمل على بسط رأيه بارتفاع صوته، وحدة قوله.

والأصل في المحاور أن يستصحب نية حسنة في طلب الحق، وأن يكون عنده استعداد لقبوله متى ما اتضح، وأن يتعرف على خلفيات من يحاورهم جيداً؛ حتى يتمكن من تسخير معارفه ومواهبه على النحو الكفيل بالتعامل مع كل من يناظره في سبيل إيصال الحق إليه.

وحديثنا هنا منصب على المحاور المنافح عن دينه، وحضارة أمته، فهذا الصنف المهم الذي لا غنى للأمة عنه يعتبر عنصراً مؤثراً لا بد أن تتوافر فيه شروط معينة حتى يكون محاوراً مفيداً، ورافداً في نشر الخير لذلك يجب أن يتحلى المحاور بصفات، ويمتاز بخصال تكون عوناً له في نشر الخير، والمساهمة في تحقيق الوعي، وهنا نذكر بعض صفات المحاور الناجح في النقاط التالية:

- العلم بالأدلة الشرعية من القرآن والسنة، فعلى من يدافع عن دين الله تعالى أن يلم بأدلته الشرعية من الكتاب والسنة، وفهمهما كما ورد عن السلف رحمهم الله وهذا يقتضي إلماماً جيداً بالشريعة، وقرباً وتواصلاً بالعلماء، وأن يكون جزءً من منظومة تتشاور وتتناقش في قضايا الحوار المطروح، واستجلاء الشبهات، و تجهيز الرد العلمي عليها.
- والواجب ألا يحاور المرء ولا يجادل إلا فيما يعرفه معرفة أكيدة من أمور الشرع وعلوم الدين، إن من تمام فقه الفقيه وعلم العالم أن يعرف قدر نفسه، فلا يتعداه، وأن يحقق مجاله العلمي فلا يخرج عنه، ولا يتصدى لما ليس له به علم.

- أخذ قسط معتبر من علم أصول الفقه، فهذا العلم بالذات يرتب أفكار المحاور، ويعلمه استخلاص الأدلة، وتحديد نقاط الخلاف، وتأصيل النقاش حولها، وحصر المُحَاوَر في الموضوع المعين.

- على المحاور كذلك أن يحيط علماً بوجهة نظر الطرف الآخر، وقد اشترط القرآن الكريم العلم فيمن يجادل، وعاب على قوم أنهم يجادلون بغير علم، يقول تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ} (سورة الحج 8)وأمر المسلم أن يحاور بعلم وهدى وبصيرة فقال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي}(سورة يوسف 108).

- عدم المداهنة والدبلوماسية التي تغطي على الحقائق، وعلى الخلافات وتعمل على ترميمها ظاهرياً، وتلفيق موقف اتفاق زائف، وقد ذم الله تعالى من يعمل على كتمان حقائق الدين قائلاً: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ}(سورة البقرة 159)، وذم مِن أهل الكتاب أولئك الذين يزورون حقائق الأمور فقال: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (سورة آل عمران 71).
إن في تزوير الحقائق إجهاضاً لجميع مقاصد الحوار والتبادل الثقافي، فما قام الحوار أساساً إلا لتبادل المعلومات والآراء؛ للوصول إلى الحق واعتناقه، فإن جاءت موضوعات الحوار مداهنة مجاملة فلن يكون القصد من الحوار إلا الغش والتستر بمواقف هي غير المواقف الأصلية للحوار.

- التجرد لطلب الحق: فالحوار ليس معركة حربية غرضها الانتصار وكسر الخصم.
فعلى المحاور أن يفترض - ولو نظرياً - احتمال ثبوت الحق على لسان الخصم، وذلك أدب جم من آداب الحوار، قال تعالى إرشاداً لمسار الحوار: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}(سورة سبأ 24)، وهذا هو مقام التنزل الذي يعطيه المحاور - افتراضاً - للآخرين حتى يجلبهم إلى مائدة الحوار.

- الحوار بالحسنى: فلا مجال للعنف والغلظة في أي حوار بناء، ولا يُلجأ للقسوة على الخصم إلا عند ظلمه وتجاوزه، فيردع عندئذ بالقوة، وهذا هو الاستثناء لا الأصل في الحوار، إن الحوار بالحسنى يتضمن تلطف واحترام أطراف الحوار، والرغبة المخلصة في تحقيق النفع المشترك، وبغض النظر عمن يكسب جولات الحوار.

- التثبت واتقاء الزلل: على من يحاور أن يجهد نفسه لضبط أعصابه ليثبت الأمور، ولا يجازف بالقول، ولا يتمحل الحجج، ولا يتسرع فيزل، ويجنح إلى خطأ؛ لمجرد أنه يريد أن ينافس محاوره، وينتصر عليه.
وكثيراً ما يَزِلّ المتحاورون بسبب الانتصار لأنفسهم، وكما قال معاذ بن جبل - رضي الله عنه - فإن الشيطان قد يقول الضلالة على لسان الحكيم.

- منطق البداهة: إن الإيغال في تركيب البراهين قد يغري المحاور بأن يبتعد كثيراً عن منطق البداهة، وعن استخدام المسلمات الأولى التي يتفق عليها الناس جميعاً، ويعمل بالتالي على الإغراب في توليد الصيغ وسلاسل الاعتماد.
المحاور الناجح هو من يتمكن من التقاط المشاهدات، والمسلمات، والبدهيات العالية في الحياة والبناء عليها، لأن البناء على أمثال هذه الفرضيات يكون بمثابة البناء على مقدمات صلبة لا يُنازع عليها الطرف الآخر، بل تثير إعجاب السامع وتدفع إلى اعترافه بالحق وإذعانه له.

- ولا بد للمحاور من آداب تلازمه كعدم الاستجابة للاستفزاز، وعدم الضيق بالمحاور، و تلطيف أجواء الحوار حيناً بعد حين، وعدم التسرع في الإقناع، وعليه مناقشة المسائل حسب أهميتها، وضرورة تحديد المصطلحات المستخدمة في الحوار وشرح مدلولاتها جيداً.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة



الأكثر مشاهدة اليوم

تاريخ و حضارة

قصة مثل: وافق شن طبق

الأمثال فن بياني يقرب المراد إلى العقول، ويحوله إلى محسوس يلمسه الناس، ويثبت المعاني بإيجاز اللفظ وإصابة المعنى،...المزيد