
إن من أعظم أسماء الله الحسنى التي تملأ القلب طمأنينة وسكينة اسم الله: القريب، فالله سبحانه وتعالى قريب من عباده، يعلم أحوالهم، ويسمع دعاءهم، ويجيب المضطر إذا دعاه.
ومع حلول شهر رمضان المبارك تزداد الحاجة إلى التمعن في هذا الاسم العظيم، إذ فيه يتجلى قرب الله من عباده بصورة أعمق من خلال الطاعات والدعوات والرجاء والمناجاة.
أولًا: معنى اسم الله القريب
ورد اسم الله القريب في القرآن الكريم في قوله تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) (البقرة: 186). وهذا يدل على أن الله قريب من عباده بعلمه وسمعه ورحمته وإجابته لدعائهم. كما أن قربه سبحانه ليس قربًا مادِّيًّا، وإنما هو قرب معنوي روحي، يشعر به المؤمن كلما توجه إلى الله بصدق وإخلاص. قال ابن كثير: "أنه تعالى لا يخيب دعاء داع، ولا يشغله عنه شيء، بل هو سميع الدعاء. وفيه ترغيب في الدعاء، وأنه لا يضيع لديه تعالى".
ثانيًا: أقسام قرب الله من عباده وأدلته
قربه تعالى من الداعين: قال تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (غافر: 60)، ففي هذه الآية تأكيد على أن الله قريب يجيب الدعاء، خاصة إذا كان العبد صادقًا في توجهه إلى الله تعالى. وهذا كما قال ابن عطية: "تفضل ونعمة ووعد لأمة محمد صلى الله عليه وسلم بالإجابة عند الدعاء، وهذا الوعد مقيد بشرط المشيئة لمن شاء تعالى".
قربه تعالى من العابدين: جاء في الحديث القدسي: «أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأٍ ذكرته في ملأٍ خيرٍ منهم...» رواه البخاري ومسلم، وهذا يدل على قرب الله تعالى من عباده الذاكرين. قال النووي "وأنا معه حين يذكرني أي: معه بالرحمة والتوفيق، والهداية والرعاية".
قربه من المتقين والمستغفرين: قال تعالى: (إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ) (الأعراف: 56)، أي أن الله تعالى قريب برحمته من الذين يحسنون أعمالهم، فينالون عفوه ورضاه. وذكر ابن كثير في معنى المحسنين أنهم: الذين يتبعون أوامره، ويتركون زواجره".
قرب الله في رمضان
شهر رمضان فرصة عظيمة للشعور بقرب الله تعالى، حيث تتضاعف فيه الحسنات، وتفتح أبواب السماء للدعاء والمغفرة، وتغلق أبواب الجحيم، وتصفد مردة الشياطين، ومن مظاهر قرب الله تعالى في هذا الشهر:
إجابة الدعوات: حيث تُستجاب الدعوات من الصائمين في رمضان، لا سيما عند الإفطار وفي السَّحَر، وفي الحديث: «ثلاث لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم» رواه الترمذي.
الرحمة والمغفرة: فرمضان شهر المغفرة، ويتجلى فيه قرب الله تعالى برحمته الواسعة التي تشمل عباده التائبين.
التوفيق للطاعات: فمن مظاهر قرب الله تعالى من عباده في رمضان: أن ييسر لهم القيام والصيام والذكر، ويعينهم على التوبة، أي يوفقهم لطاعته سبحانه.
ثالثًا: كيف نحقق معاني قرب الله في رمضان؟
الإكثار من الدعاء: فالله قريب مجيب، ورمضان شهر الدعاء، وقد قال تعالى بعد آيات الأمر بالصيام: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) (البقرة: 186).
الإخلاص في العبادة: بأن يؤديها إيمانًا واحتسابًا، فالعبادات الخالصة تقرب العبد من ربه.
مجاهدة النفس على الطاعات: ويكون ذلك بالصلاة وقراءة القرآن، والذكر والاستغفار، والصدقة وغيرها.
التوبة والاستغفار: فالقرب الحقيقي من الله يكون بالرجوع إليه بقلب منيب.
فاسم الله القريب هو باب رحمة وطمأنينة لكل مؤمن، وشهر رمضان هو فرصة عظيمة لاستشعار هذا القرب الإلهي، فليحرص المسلم في هذا الشهر الكريم على التوجه إلى الله بقلب صادق، وليغتنم لحظات القرب بالدعاء والعبادة، عسى أن يكون من المقبولين.