
في كل لحظة تمرّ بنا في هذه الحياة، نحن أمام خيارين: أن نستسلم لليأس، أو أن نُقبِل على الحياة بروحٍ من الإيجابية والثقة بالله. أن تكون إيجابيًا لا يعني أنك لا تمرّ بصعوبات، بل يعني أنك ترى وراء كل عثرة درسًا، ووراء كل أزمة حكمة، ووراء كل ظلام فجرًا قادمًا لا محالة.
الإيجابية في ضوء القرآن الكريم
إذا تدبرنا كتاب الله تعالى سنجد أنه يحث المسلم على التحلي بروح إيجابية وينهاه عن السلبية، يقول الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (المائدة: 2). فالمجتمع المسلم مجتمع يتعاون الجميع في رقيه والنهوض به. والفرد المسلم عضو فعال في هذا المجتمع يتحقق فيه قول الله تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} (النساء: 114).
والقرآن يحث المسلم على العمل والسعي في الأرض بهمة ونشاط، ولا يكون عبئا على غيره: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (الجمعة:10). والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لأن يأخذ أحدكم أحبله ثم يأتي الجبل فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها، فيكف الله بها وجهه، خير له من أن يسأل الناس، أعطوه أو منعوه". (رواه البخاري).
ومما يدل على الإيجابية في القرآن الكريم أمره المؤمنين بالقيام بمحاربة الفساد والشر من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} (آل عمران: 110).
ويقول الله تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (آل عمران: 139).
هنا دعوة مباشرة لعدم الاستسلام للحزن أو الضعف، لأن الإيمان الحقيقي يُبقي الإنسان دائمًا عالي الهمة، ثابتًا رغم العواصف.
وبصفة عامة فإن الله تعالى يحثنا دائمًا على التفاؤل وحسن الظن به، وتوقع الخير وانتظار الفرج، يقول سبحانه: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6)}(الشرح).
وتأمل كيف تكررت الآية لتطمئن القلوب أن مع كل ضيق هناك فرجا، وبعد كل تعب راحة.
الإيجابية في سنة الحبيب صلى الله عليه وسلم
رغم كل ما واجهه النبي صلى الله عليه وسلم من أذى وتكذيب، كان مثالاً للإيجابية والتفاؤل. في الهجرة، وهو في الغار وأبو بكر الصديق خائف، قال له النبي صلى الله عليه وسلم بكل ثقة: "لا تحزن إن الله معنا" (رواه البخاري).
تلك الكلمات ليست فقط لطمأنة أبي بكر، بل درسٌ خالد لكل مسلم: حين يكون الله معك، لا مجال للخوف.
الرسول صلى الله عليه وسلم في الطائف: رغم ما لقيه من أذى، دعا لهم ولم يدعُ عليهم، وقال:"اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون".هذه قمة الإيجابية والرحمة رغم الألم.
وكان صلى الله عليه وسلم يحب الفأل الحسن، ويكره التشاؤم، وقال:"ويُعجبني الفأل الصالح" (رواه البخاري).
أي أن يتفاءل المرء بكلمة طيبة أو موقف حسن، وهذا منهج نبوي واضح نحو الإيجابية.
يوسف عليه السلام مرّ بالسجن، والظلم، والبعد عن أهله، لكنه لم ييأس، بل ظل ثابتًا على يقينه بربه، حتى أصبح عزيز مصر، قصة يوسف عليه السلام نموذج حي للإيجابية رغم القسوة.
الإيجابية اليوم تصنع الفرق
انظر إلى من يواجه المرض بإيمان، ويواصل الابتسام رغم الألم. انظر لمن فقد وظيفته، فحوّل المحنة إلى مشروع ناجح. هذه هي الإيجابية التي تخلق الفرق، التي لا تنتظر الظروف لتبتسم، بل تصنع الأمل وسط الألم.
العالم توماس إديسون: فشل أكثر من 1000 مرة في اختراع المصباح الكهربائي، لكنه لم يعتبرها فشلاً، بل قال: "لم أفشل، بل وجدت 1000 طريقة لا تعمل".
كيف تكون إيجابيًا؟
- ابدأ يومك بحمد الله، واستشعر النعم.
- راقب أفكارك: انتبه للتفكير السلبي، واسأل نفسك: هل هذا التفسير مفيد؟ هل يمكنني رؤيته بطريقة أخرى؟
- أعد تعريف مشاكلك: لا تنظر للعوائق كجدران، بل كمعارج تصعد بها نحو المعالي.
- أحط نفسك بأشخاص يرفعونك لا يُسقطونك، تفاعل مع أشخاص ينشرون التفاؤل، فالعقول تتأثر ببعضها.
- اقرأ القرآن وتدبره وأكثر من ذكر الله، فإن الله تعالى يقول: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)}. (الرعد).
- ابحث عن الخير في كل موقف، حتى في الابتلاء.
- تحكم بردود أفعالك: أنت لا تتحكم بكل شيء، لكنك تتحكم في كيفية استقبال ما يحدث لك وردود أفعالك عليه.
- ابتسم، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: "تبسمك في وجه أخيك صدقة" [رواه الترمذي].
ختامًا
كن إيجابيًا، ليس فقط لأجلك، بل لأن العالم من حولك يحتاج إلى بصيص نور، إلى كلمة طيبة، إلى قلب يرى ما لا يراه الآخرون. لا تدع السلبية تسرق لحظاتك، ولا تسمح لليأس أن يستقر في قلبك. أنت أقوى مما تظن، ما دمت تؤمن بأن مع العسر يُسرًا، وأن الله لا يُضيع أجر من أحسن عملًا.