الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الاستسقاء

الاستسقاء

الاستسقاء

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، أحمده سبحانه وأشكره على نعمه التي لا تُعد ولا تُحصى، وأستعينه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الخلق والأمر، بيده الملك وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الأحبة في الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، فهي وصية الله للأولين والآخرين، قال جل وعلا: {ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات وما في الأرض وكان الله غنيا حميدا} [النساء:131]. فالتقوى سبب النجاة في الدنيا والآخرة، وبها تُفتح أبواب الرزق، وتُصرف النقم، ويزداد الإنسان قرباً من ربه، ويُرزق الراحة معاشه والطمأنينة في حياته.

أيها الأحبة: الحياة الدنيا دار ابتلاء وامتحان، يختبر الله فيها عباده بالأرزاق، والصحة، والمرض، والسعادة والشدة، قال الله تعالى: {اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور} [الحديد:20]. فهي متاع قليل، زائل سريع، والآخرة هي دار القرار والثواب والعقاب. فمن أعطاه الله رزقاً فليحمده، ومن ابتُلي فليصبر، وما أصابنا من خير فهو من الله، وما أصابنا من بلاء وتغير حال فهو بسبب أنفسنا وبما كسبت أيدينا.

أيها الإخوة: المعاصي سبب كل بلاء وشقاء، والنعم تزول بالذنوب، قال الله عز وجل{وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير} [الشورى:30]، وقال سبحانه: {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون} [الأعراف:96]. فالذنوب والمعاصي تحجب البركة، وتميت القلوب، وتؤدي إلى اضطراب الأمور، وتمنع الرزق، وتزيد الأعباء والهموم.

أيها الأحبة: من أعظم الذنوب التي تحل على الإنسان الغضب الإلهي: المجاهرة بالمعصية، فقد قال النبي ﷺ: (كلُّ أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا، ثم يصبح وقد ستره الله عليه، فيقول: يا فلان! عملتُ البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه) رواه البخاري. والمجاهرة بالمعصية تشمل إعلانها أو الاستهانة بها أمام الناس، وهذا يجرُّ على صاحبها سخط الله، ويزيد العقوبة والنقمة عليه. ومن صور المجاهرة: التفاخر بالذنوب، وإعلان الفسوق، والفرح والتباهي بالحرام.

ومن أعظم ما يبتلى به الناس اليوم: ترك الصلاة، وعقوق الوالدين، وأكل أموال الناس بالباطل، والرشوة، والربا، وأكل ما حرم الله، والغيبة والنميمة، والزنا، والفسوق، والانحراف الأخلاقي.

عباد الله: والخروج من هذا الحال إنما يكون بالتوبة الصادقة، والرجوع إلى مدبر الأحوال ومقسم الأرزاق، قال جل شأنه: {وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون} [النور:31] وقال أيضاً: {يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير} [التحريم:8]. فالتوبة تجبُّ ما قبلها مهما عظمت الذنوب، والرجوع إلى الله طريق النجاة، والنية الصادقة والعمل الطيب يمحو السيئات.

أيها الأحبة: لنعتبر بمن قبلنا من الأمم، فقد أهلك الله أقواماً بذنوبهم، قال سبحانه: {فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} [العنكبوت:40) فلنعتبر بمن سبق، ولنعد إلى الله قبل فوات الأوان، ولنكثر من الطاعات، ولنحرص على القيام بالفرائض، والصدقات، وصلة الأرحام، وبر الوالدين، وحسن الخلق مع الناس، فإن هذه الأعمال تطهر القلب وتزداد بها البركة في الأرزاق وتطول بها الأعمار، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (يا معشر المهاجرين! خمس إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط، حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون، والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان، إلا أخذوا بالسنين، وشدة المَئُوْنَة، وجَوْر السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم، إلا مُنِعُوا القَطْرَ من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله، وعهد رسوله، إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم، فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله، ويتخيروا مما أنزل الله، إلا جعل الله بأسهم بينهم) رواه ابن ماجه، وربنا جل وعلا يقول : {استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين} [هود:52].

أيها الأحبة: راجعوا أنفسكم، واعترفوا بتقصيركم، وتوبوا إلى الله توبة نصوحاً من جميع الذنوب، وأخلصوا في الدعاء، وأكثروا من الاستغفار، فإن الله واسع الرحمة، يقبل التوبة مهما عظمت السيئات.

اللهم اغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا، وللمسلمين أجمعين، وأنزل علينا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين، واجعل بلادنا آمنة مطمئنة، وارزقنا رزقاً حلالاً طيباً، ووفقنا لكل خير، ونجنا من البلايا والمحن، وارزقنا البركة في أعمارنا وأعمالنا وأموالنا وأولادنا، وارزقنا القلوب السليمة والأبدان الصالحة.

اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أنبت لنا الزرع، وأدر لنا الضرع، وأنزل علينا من بركاتك، واجعلها قوةً لنا على طاعتك، وبلاغاً إلى حين، اللهم اسق عبادك وبلادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحيِ بلدك الميت.

اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا، ولا إلى حولنا، ولا إلى قوتنا، فإننا فقراء محتاجون إليك، اللهم فارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، وأغث قلوبنا وديارنا، اللهم اغدق علينا من كرمك العميم، واسبغ علينا من فضلك العظيم، وارزقنا الأمن والأمان، والصلاح في ديننا ودنيانا، ووفقنا للخير حيثما كنا.

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.

اللهم اسقنا غيثاً، مغيثاً، هنيئاً، مريئاً، طبقاً، سحًّا، مجللاً عامًّا، نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل.

اللهم غيثاً تحيي به البلاد، وتغيث به العباد، وتجعله بلاغاً للحاضر والباد.

اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب، ولا هدم، ولا بلاء، ولا غرق.

اللهم اسقِ عبادك وبلادك وبهائمك، وانشر رحمتك.

عباد الله: اقلبوا أرديتكم تأسياً بنبيكم محمد صلى الله عليه وسلم، واجتهدوا في الدعاء، وألِحُّوا في المسألة، وأخلصوا، وأحسنوا، وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، عسى ربكم أن يرحمكم؛ فيغيث القلوب بالرجوع إليه، ويرحم العباد بإنزال الغيث والمطر.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة



الأكثر مشاهدة اليوم

خطب الجمعة

ومضى شهر رمضان

الخطبة الأولى الحمد لله، حمداً كثيراً، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك القدوس السلام، ونشهد أن نبينا...المزيد