دعا الإسلام إلى الأخذ بمحاسن الأخلاق و نبذ مساوئها و ذلك من خلال نصوص الكتاب و السنة و ما كان عليه أهل القرون الثلاثة الأولى إذ إن الخلق الحسن صفة من صفات الأنبياء والصديقين، وأن الأخلاق السيئة سموم قاتلة، تنخرط بصاحبها في سلك الشيطان، ؛ فقد أثنى الله عزّ و جلّ على نبيّه محمد- صلى الله عليه و سلم- بأن قال : ( و إنك لعلى خلق عظيم ) و رغّب النبي – صلى الله عليه و سلم - في حسن الخلق فقال: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" . رواه البخاري . وبين صلى الله عليه وسلم فضل محاسن الأخلاق فقال : "ما من شيء في الميزان أثقل من حسن الخلق". رواه البخاري. وقال: "أكمل المؤمنين إيماناً أحاسنهم أخلاقا."ً رواه أحمد وأبو داود. وسئل - صلى الله عليه وسلم - عن أي الأعمال أفضل فقال : "حسن الخلق". ولما سُئِل عن أكثر ما يُدخل الجنة قال : "تقوى الله وحسن الخلق" . رواه الترمذي وصححه. فدل منطوق هذه الآثار على فضيلة حسن الخلق ، كما إن الابتعاد عن مساوئ الأخلاق هو أحد دلالات مفهوم المخالفة.
معنى الفحش:
ومن الأخلاق السيئة التي ابتلي بها الناس ، خلق الفحش الذي يعني في اللغة : كل ما دل على قبحٍ في الشيء و شناعةٍ ، و هي القبيح من القول و الفعل، و تستعمل بشكل أكثر في القول ، و من تكلّف سب الناس و التعمّد في ذلك سُمِّي متفحِّشاً.
و لا يكاد المعنى الاصطلاحي يبتعد عن الأصل اللغوي فللفحش تعريفات عدّة تتقارب فيما بينها و تشترك مع غيرها في موافقة الأصل اللغوي ؛ فمن هذه التعريفات : أن الفحش ما ينفر منه الطبع السليم و يستقبحه العقل المستقيم ، و منها : ما يكرهه الطبع من رذائل الأعمال الظاهرة كما ينكره العقل و يستخبثه الشرع، و أيضاً : هو ما عظم قبحه من الأقوال و الأفعال، و هو أيضاً :كل أمرٍ تجاوز قدره و كل أمرٍ لا يوافق الحق، و الفحش عدوان الجواب ؛ أي في التجاوز في الرد على الآخرين .
يقول ابن حجر: إن ملازمة الشرّ و الفحش من الكبائر لقوله – صلى الله عليه و سلّم – فيما رواه البخاري : "إن شر الناس من تركه الناس ـ أو ودعه الناس ـ اتقاء فحشه ". و الفحش و التفحّش ليس من الإسلام في شيء، وإن أحسن الناس إسلاماً أحسنهم أخلاقاً كما قال بذلك الإمام أحمد بن حنبل.
آيات وردت في الفحش:
لقد وردت كلمة الفحش في القرآن الكريم في مواضع عدّة ، فتارة أتت بصيغة المفرد ،و تارة أتت بصيغة الجمع ، فقد أورد القرآن حرمة الفواحش – ما خفي منها و ما ظهر للعلن- بل حذّر من الاقتراب منها و مع ذلك فإن مغفرة الله واسعة إذا اجتنبت الفواحش ، قال الله تعالى : (وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) (ألأعراف:28) و قال تعالى : (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (الأنعام:151) و قال عز من قائل : (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ والإثم وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) (ألأعراف:33) و يقول الله تعالى : (وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإثم وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) (الشورى:37) و قال تعالى : (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإثم وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى) (ألنجم:32) .
ذم الفحش في السنّة النبوية:
عن عروة بن الزبير ، أن عائشة أخبرته: استأذن رجل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : "ائذنوا له بئس أخو العشيرة " ، فلما دخل ألان له الكلام ، فقلت : يا رسول الله ، قلت الذي قلت ثم ألنت الكلام ؟ قال : "أي عائشة ، إن شر الناس من تركه الناس ـ أو ودعه الناس ـ اتقاء فحشه". البخاري
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : "إياكم و الفحش؛ فإن الله لا يحب الفاحش المتفحش...". رواه أبو داود و أحمد و إسناده صحيح.
عن عائشة رضي الله عنها : "أن اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: السام عليك ، قال: "وعليكم" فقالت عائشة :السام عليكم ولعنكم الله وغضب عليكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" مهلا يا عائشة،عليك بالرفق وإياك والعنف أو الفحش" قالت: أو لم تسمع ما قالوا؟ قال:" أو لم تسمعي ما قلت؟ رددت عليهم فيستجاب لي فيهم ولا يستجاب لهم في". رواه البخاري
وعن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :" ما كان الفحش في شيء قط إلا شانه ، و لا الحياء في شيء قط إلا زانه ". رواه الترمذي و قال: حديث حسن
عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء" رواه أحمد و إسناده صحيح. من مضار الفحش:
1-البعد من الله و عن الناس، و ذلك نتيجة للعداوة و البغضاء و تولّد المنازعات و المشاحنات.
2-يوجب غضب الله و سخطه.
3-استحقاق الوعيد في الآخرة.
4-أحد معاول الهدم في المجتمع ؛ فالفحش سبب لتفكك المجتمعات و قطع روابط المودّة و الألفة و بالتالي سوء الأحوال و اضطراب معايش الناس.
5-دليل على سوء الخاتمة.