شاهدنا في الفترة الأخيرة كثيرًا من البرامج التي تتحدث عن «أزمة منتصف العمر للرجل»، وماذا يحدث فيها من تغيرات في شخصية الرجل؛ إذ قد تنقلب حياته رأسًا على عقب بسبب بعض التصرفات التي قد لا يعي أنها طائشة، ويبرر ذلك بأنه يريد أن يعيش حياته، ويستمتع بها، فقد يلجأ للزواج بأخرى من وراء ظهر زوجته الأولى، وقد يقوم بإجراء بعض التغيرات في شكله، محاولة منه ليبدو أصغر سنًا، ويوهم نفسه بأنه مازال مرغوبًا.
لماذا تحدث هذه التحولات ؟ وكيف تساعد المرأة زوجها على تجاوزها ؟ وهل هي تغير طبيعي مقبول أم تعبير عن أزمة حقيقية ؟
في التحقيق التالي محاولة للإجابة:
طقوس شبابية
يشير الدكتور فكرى عبد العزيز - استشاري الطب النفسي - إلى أن الشخصيات التي تمر بهذه المرحلة شخصيات غير ناضجة انفعاليًا ووجدانيًا، ولم تمر بمراحل النمو النفسي السوية المتوالية، بل كانت فاقدة للترابط الأسرى، ولا تتمتع بالقدرة على التعبير عن ذاتها منذ بداية (مرحلة المراهقة) ، ويمكن أن تحدث هذه التحولات نتيجة فرط حماية أو قسوة زائدة، وبالتالي يظهر التعويض في صورة جذب الانتباه من خلال ممارسة طقوس شبابية، وقد يلجأ الرجل إلى عمل علاقات، أو يتزوج من هى أصغر منه سنًا بمراحل كثيرة ، أو الحديث المفرط المبالغ فيه عن أنه ما زال مرغوبًا من الجميلات.
وعن دور الزوجة في هذه المرحلة يقول الدكتور فكرى إن عليها أن تكون متفهمة ومتواجدة وبجانب زوجها دائمًا ، وأن تبرر ما يقوم به، وتحسن من مظهرها وجوهرها، وعلاقتها بزوجها، حتى يعود إلى حياته السابقة، فالزوجة عليها عامل كبير في استيعاب تلك المرحلة التي مر بها بعض الرجال، وليس كل الرجال.
ويوضح الدكتور فكرى أنه على الرجل أن يعلم أن لكل مرحلة سنية سلوكها ومشاعرها اللائقة بها، وأن هذه المرحلة قد يصاحبها تذبذب، وتردد، ومحاولة لإثبات الذات، وعليه أن تكون لديه القدرة والدوافع الطيبة لاستكمال مسيرة الحياة مع شريكته، ويؤكد أن الإيمان هو أفضل سلاح لمواجهة تقلبات هذه المرحلة، فوجود الإيمان يعزز من قدرة الشخص على المرور بهذه المرحلة بسلام دون حدوث مشكلات أو منعطفات خطيرة في حياته الأسرية.
ويلفت د. فكرى - في ختام رأيه - نظر كل رجل يشعر بتقلبات وتحولات المراهقة الثانية، ولا يستطيع مقاومتها إلى استشعار مسئولياته كأب وقدوة لأبنائه الذين إن رأوا منه غير ذلك أو لمسوا ضعفه الإنساني قد يصابون هم أيضًا بتقلبات عاطفية أو بالاكتئاب والحزن نتيجة اهتزاز صورة المثل الأعلى عندهم.
استرخاء عاطفي
ويقول الدكتور سمير القاضي - طبيب ممارس عام - إنه في بداية الزواج يكون الزوج محور اهتمام زوجته، ثم تمر السنوات ويجد الزوج نفسه خارج دائرة الاهتمام؛ لأن الزوجة أصبحت مسئولة عن أعباء إضافية تفوق طاقتها، فيتراجع دور الرجل في قائمة أولويات زوجته.
وتحدث حالة استرخاء عاطفي بين الزوجين، فقد تهمل الزوجة زينتها، وتفقد أناقتها، وقد يكون هذا سببًا من أسباب هروب الزوج، أيضًا في هذه المرحلة قد يصاب الزوج ببعض الأمراض المزمنة مثل: السكر، والضغط، وأمراض البروستاتا، وقد يعانى من بعض الضغوط النفسية والعصبية والنفسية، مما يؤثر على كفاءته، وبدلاً من عرض نفسه على الطبيب فإنه يخطط للزواج بأخرى تأكيدًا أنه مازال بكامل الصحة والعافية.
ومن التقلبات التي تصيب بعض الرجال في هذه السن ارتداء الملابس الشبابية ذات الألوان الصارخة التي لا تناسبه، وقد يجد الزوج امرأة أخرى تحاول إغراءه، وتبدأ في نسج خيوطها حوله حتى يقع في شباكها، ويعتقد الزوج أن المرأة الأخرى تمثل له طوق النجاة ؛ لأنها يمكن أن تعيد إليه شبابه ، وتحل عقدته إذا ارتبط بها، والزوج في هذه الحالة يتغاضى تمامًا عن جميع الفروق في السن والمستوى الاجتماعي والثقافي بينه وبين المرأة الأخرى.
ويشير الدكتور سمير إلى أن هذا يفسر لنا سر تورط كثير من الأزواج في علاقات طائشة رغم أنهم متزوجون ، مما يتسبب في تدمير حياتهم الزوجية، والأمثلة على ذلك كثيرة منها: زواج طبيب متزوج من ممرضته رغم فارق السن بينهما، ارتباط مدير متزوج بسكرتيرته، زواج أستاذ جامعى بإحدى طالباته، تورط زوج بالارتباط بالخادمة.
ويوضح أنه في معظم الحالات يفاجأ الزوج بفشله أيضًا مع الزوجة الثانية، ولكنه لا يعترف بالواقع، وتتكرر المأساة عندما يتهور الزوج، ويفكر في الزواج مرة أخرى.
وهنا يجب على الزوجة انتشال زوجها، وإشعاره بالاهتمام والاحتواء حتى لا يواصل الانزلاق فيما لا تحمد عقباه.
صورة مشوهة
وحول دور الإعلام في ترويج صورة المسن المراهق، وإظهار هذا الأمر على أنه شيء متوقع وطبيعي، ومن لوازم هذه الفترة يقول د. عرفة - أستاذ الإذاعة بجامعة الأزهر:
إن الإعلام يستخدم أسلوبًا غير علمي في معالجة الظواهر الاجتماعية، فهو يبالغ في عرض هذه الظواهر، فيأتي الأمر بنتيجة عكسية، كما في حالة الإدمان مثلاً، والذي تعلم بعض الشباب أساليبه من خلال الأفلام والمسلسلات، وكانت حجة القائمين على الجهاز الإعلامي أن المشاهد يرى نهاية البطل، فيتجنب ما أوصله لهذه النهاية، وقد أثبت عدد من الدراسات أن التليفزيون ساهم في انتشار الجريمة، ويسهم في انتشار الأشياء التي يدعى أنه يحاربها.
ومن منطلق هذه الارتجالية يروج الإعلام لما يسمى بمراهقة الرجال بعد الخمسين «أزمة منتصف العمر» وهى المراهقة التي لم نسمع عنها من قبل لولا الإعلام، فقد كنا شبابًا وكان لنا أعمام وآباء مروا بهذه المرحلة، ولم نجد من مر بهذه المرحلة منهم فتصابى، أو تزوج بأخرى دون مبرر مقبول.
ويشير د. عرفة إلى الصورة التي تظهرها المسلسلات والأفلام للأثرياء الذين كسبوا بسهولة في عصر الانفتاح، وكونوا ثروات استخدموها في الإيقاع بالجميلات، والزواج منهن، فنرى البطل في المسلسلات له في كل بلد يزورها زوجة، أو له علاقة ما مع أى فتاة.
وهذا الطرح مبالغ فيه؛ حيث يفترض في الإنسان أن يستغل هذه المرحلة في العطاء، ومراجعة النفس، والإنتاج، وتربية الأولاد لا مطاردة النساء، ومحاولة إعادة الزمن إلى الوراء.
فيشير الدكتور عرفة أنه على التليفزيون أن يعرض القضايا طبقًا لما لها من وزن واعتبار في المجتمع، ولا يختلق قضايا غير موجودة بالفعل؛ إذ إنه أيضًا كثرة تكرار عرض قضية معينة قد يحولها إلى ظاهرة، ويقنع المشاهدين بأن هذا ما يجب أن يحدث، وأن كل رجل في هذه المرحلة لابد له من مراهقة جديدة.
وأخيرًا يطالب الدكتور عرفة الإعلام بأن يعرض نماذج رجال الأعمال الشرفاء الذين كونوا ثرواتهم من الحلال، وينفقون أموالهم في أشياء تفيد مجتمعهم، وينشغلون بأشياء مفيدة، ويطالب أيضًا القائمين على هذا الجهاز الخطير بألا يشغلوا المجتمع بقضايا لا وزن لها.