إن العلماء هم ورثة الأنبياء، وخلفاؤهم في دعوة الخلق، سبيلهم سبيلهم، ودعوتهم دعوتهم، فهم خير الخلق بعدهم وحملة لواء الهداية والنور .. كم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من صريع للهوى أيقظوه، وغارق في بحر المعاصي والشهوات أنقذوه.. وهم أصفياء الرحمن وأولياؤه . من عاداهم آذنه الله بالحرب..
ومن هؤلاء العلماء والدعاة الأستاذ الدكتور محمد رأفت سعيد رحمه الله ـ نحسبه ـ فقد عاش حياته عالما جليلا، وفارسا في ميدان العلم والدعوة كبيرا إلى أن توفاه الله.
المولد والنشأة
ولد فضيلة الشيخ في 25 شوال 1367هـ - 30 أغسطس 1948م في قرية أميوط مركز قطور بمحافظة الغربية، بجمهورية مصر العربية، وتميز بنزعة دينية قوية، ونبوغ مبكر، جعلت الدعوة إلى الله شاغله الشاغل طيلة حياته، فقد كان وهو طفل لم يتجاوز العاشرة يطوف قبل الفجر بكل بيوت قريته، ليوقظهم للصلاة مناديًا "الصلاة خير من النوم" غير عابئ بخلو القرية من الكهرباء لإضاءة الطريق، ولا بكثرة وجود الكلاب والذئاب في طريقه، ثم بدت عليه علامات النبوغ في الخطابة فبدأ يخطب وهو مازال ابن اثنتي عشرة سنة وعرفه الناس بَعْدُ خطيبًا مفوهًا يتلهفون على الاستماع إلى خطبه الرائعة.
كان الشيخ رحمه الله إيجابيًا فعالاً صامدًا رمزًا للتدين الصحيح الذي انعكس على معاملته للجميع، فكان قدوة حسنة أينما حل، ففي إدارته لمناصبه العلمية جمع مرؤوسيه على الحب والتسامح حتى إن أحدهم ليذكر أنه خشي أن تؤدي طيبة الشيخ وحياؤه ونبل أخلاقه إلى تكاسل الموظفين وتراخيهم، فإذا به يجمعهم وينهي ما بينهم من مشاكل، ويحفزهم أن يخلصوا العمل لله تعالى، فإذا بهم يؤكدون أنهم لم يعملوا في حياتهم كما عملوا في فترة رئاسته لهم – رحمه الله – ويؤكدون أنه كان خير الأب والأخ، والصديق عند الشدة.
ويرجع لفضيلته الفضل في إنشاء شعبة للدراسات الإسلامية في الدراسات العليا لقسم اللغة العربية، وكان يرى حتمية وجود دراسات إسلامية في كل الكليات، لأنه بدونها لا ينشأ الشباب، كما يرجو الوطن وتتطلع الأمة، فهي التي تشكل كيانه، وتحفظ هويته، كما كان يحزنه وجود تعقيدات تحول بين عامة الطلبة والبحث في الدراسات الإسلامية.
وإذا كان ابن آدم ينقطع عمله بوفاته فإن أستاذنا العلامة الجليل سيتواصل عمله الصالح بإذن الله تعالى بما خلفه من أبناء بررة، وتلاميذ لا يكفون عن الدعاء له، ونشر علمه، وبما قدمه من صدقات جارية، وعلم ينتفع به، تمثل في الثروة الهائلة من الأحاديث الإذاعية والتليفزيونية والمؤلفات الكثيرة القيمة التي نذكر منها على سبيل المثال:
1- الرسول المعلم صلى الله عليه وسلم. منهجية في التعليم.
2- كيف ننهض بالمجتمعات المسلمة المعاصرة ؟
3- الأصالة والمعاصرة في الفكر الإسلامي.
4- مرتكزات التضامن والوحدة.
5- المفاهيم الإسلامية بين النظرية والتطبيق.
6- المدخل لدراسة النظم الإسلامية.
7- مشكلة التخطيط الثقافي في المجتمعات المسلمة.
8- الالتزام الثقافي في الأدب برؤية إسلامية.
9- الداعي إلى الله: صفاته وأسلوبه.
10- هكذا علم الربانيون.
11- المتهم وحقوقه في الشريعة الإسلامية.
وله مؤلفات أخرى سواها.
وبعد هذه الحياة العامرة بالتقوى والحافلة بالعطاء المخلص والجد والعمل ابتلي الشيخ ببعض الأمراض فقابلها بنفس راضية، وابتسامة صافية، وصبر على قضاء الله من غير تبرم ولا تسخط، حتى وافته منيته ولقي ربه في يوم الخميس الموافق 13 جمادى الأولى 1425هـ، أول يوليو 2004م، – رحم الله فقيدنا العزيز، وأعظم أجره، وأثقل ميزانه، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وأسكنه فسيح جناته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صوت الأزهر (شعبان 1425هـ)