الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حائر بين الوطن، والدراسة في الخارج

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

سؤالي ليس مشكلة بحد ذاته، ولكنه خيار صعب، لا أعرف كيف أتخذ القرار فيه، أنا الآن في الصف الثاني الثانوي، عمري 17 عامًا، وأدرس مع أهلي في أمريكا؛ لأن والدي -حفظه الله- يشارك في دورة دراسية لهذه السنة فقط، كنتُ منذ فترة طويلة أفكر بإكمال الجامعة في الخارج، وخاصة في أمريكا، حتى قبل أن أسافر إليها، ونحن الآن في منتصف السنة الدراسية، وخطرت في بال والدي فكرة جميلة، وهي أن أُكمل الصف الثالث الثانوي هنا في أمريكا، وبعدها أدخل الجامعة مباشرة -إن شاء الله-.

الفكرة الآن في طور البحث، إذ يحاول والدي أن يجد عائلة يمكنني السكن معهم خلال هذه السنة، كما يفعل كثير من الناس، الذين يرسلون أبناءهم بهذه الطريقة، ولا أخفي عليكم، حين أسمع الناس يتكلمون عن الحنين للوطن، أشعر أنني أعيش هذا الشعور بكل تفاصيله، بسبب شوقي الشديد لأقاربي في وطني.

وبعد تفكير طويل لم أتوصل لشيء، وقلت في نفسي: الصف الثالث الثانوي هو آخر سنة في المدرسة، ولا أريد أن تمر مرورًا عاديًا، أو تُمحى من ذاكرتي، فأنا لم أعتد على فِراق أبناء أعمامي وأخوالي، كنا دائمًا معًا في المدرسة وفي كل مكان، وأنا أعلم أنه بمجرد أن نتخرج، لن يبقى الحال كما هو، فكل واحد سيدخل تخصصًا مختلفًا، أو جامعة مختلفة.

ما يُحيّرني ويُتعبني حقًا هو: هل أعود لأُكمل السنة الأخيرة من الثانوية في بلدي، لأنها سنة لا تُنسى، وأريد أن أعيشها وأتذكرها طوال حياتي؟ أم أكمل هنا في أمريكا حيث العلم والتجربة؟

ولا أخفي عليكم، أحيانًا أشعر بالندم على مجيئي إلى هنا، ليس لأني غير مرتاح، بل العكس، أهلي وفروا لي كل شيء -جزاهم الله خيرًا-، لكن الندم نابع من شدة شوقي لوطني.

أرجو أن تفهموا سؤالي؛ فأنا لا أبحث عن إجابة من الناحية الدينية، وإنما من ناحية التجربة الشخصية والمستقبلية.

جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإننا ننصحك بإكمال المشوار ما دام المكان مناسبًا لتلقّي العلم، ونرجو أن تكون سفير خير لبلدك وأهلك، بعد دينك، وذلك بأن تحرص على التمسك بآداب الإسلام، حتى تؤثّر ولا تتأثّر، فالمسلم يطلب العلم في كل مكان، ولا بدّ من تقديم تضحيات في هذا السبيل، وأول تلك التضحيات فِراق الأوطان، والبعد عن الإخوان، والصبر على تحصيل العلم، انطلاقًا من ثوابت الدين والإيمان، ولا يخفى على أمثالك أن الإنسان لا بدّ أن يُفارق كثيرًا من محبوباته، فالناس في هذه الدنيا يجتمعون ثم يتفرّقون في ميادين الحياة، ثم يقفون جميعًا بين يدي ربّ العالمين، والمسلم كالغيث، أينما وقع نفع، وترك أفضل البصمات، وأجمل الذكريات، وقد أحسن من قال:

فارفع لنفسك بعد موتك ذِكرَها ** فالذِّكرُ للإنسان عمرٌ ثانِ

وأحسب أن وجود والدك إلى جوارك لمدة سنة، مما يُعينك على التأقلم مع الوضع الجديد، ونتمنّى أن تُحسنوا اختيار مكان الإقامة، وأن تبحثوا عن إخوةٍ فُضلاء، يذكّرونك بالله إذا نسيت، ويُعينونك على طاعته إن ذكرت، واعلم أن المرء حيث يضع نفسه، وكم هو صادق من قال:

إذا صَحِبتَ القومَ فاصحب خيارَهمُ** ولا تصحب الأردى فَتَردى مع الرَّدي

ونحن إذ نحمد فيك اشتياقك لأهلك وزملائك ووطنك، ونذكرك بأن سعادة الأهل والوطن في أن يروا الأبناء ناجحين قادرين -بحول الله وقوته- على بناء الأوطان على أساس من العلم والإيمان.

وهذه وصيتي لك: بتقوى الله، ثم بكثرة اللجوء إليه، ونسأل الله أن يقدر لك الخير، وأن يلهمك السداد والرشاد، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً