الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أصبت بالخوف المرضي بسبب كثرة القراءة عن المس، فما الحل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ألجأ إلى الله أولًا، ثم إليكم لحل مشكلتي التي أرّقتني، وسلبت مني النوم، وحرمتني من لذّة الحياة.

قبل فترة بدأت أقرأ عن المس والعين والسحر في المنتديات، وتعمّقت في ذلك، حتى أصبت بالخوف والذعر الشديدين.

وفي إحدى المرات، كنت أقرأ سورة البقرة ولم يكن بي شيء، ثم تذكرت أن سورة البقرة تطرد الشياطين، فتخيلت كيف أنها خرجت، وفجأة أصبت بنوبة رعب، وشعرت بتنميل في قدمي، مما جعلني أعتقد أنني مصابة بالمس –لا قدّر الله-؛ لأن من أعراضه الشعور بالتنميل، ومنذ ذلك الوقت، يسيطر عليّ هذا التفكير؛ أصبحت أقول لنفسي: هي مسألة وقت فقط قبل أن تظهر باقي الأعراض.

وكلما سمعت صوتًا، تنتابني نوبة ذعر، وألم شديد في المعدة، وأحيانًا أسخر من تفكيري، وأقول: كيف لي أن أصدق أني مصابة بالمس؟ ثم لا ألبث أن أعود لنفس الإحساس من جديد، ولكن هذه المرة بشكل أقوى.

فهل يوجد أمل في التخلص من هذا التفكير؟ وكيف أقنع نفسي أنني غير مصابة بالمس؟

أرشدوني، والله إن الحياة باتت بلا طعم، فهذا التفكير يسيطر عليّ ليلًا ونهارًا، والهواجس تنهكني وتذبحني نفسيًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخت الفاضلة/ حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -أيتها الأخت الكريمة-، ونسأل الله تعالى أن يذهب عنك هذا الخوف، ولا نقول: يذهب عنك المرض؛ لأنك لست مصابة بشيء -ولله الحمد-.

فنحن لا نشك في أنك سليمة من المس والسحر والعين، ولكنك وقعتِ تحت أسر المخاوف الكاذبة، والأطباء النفسيون اليوم يؤكدون: أن أكثر من نصف المرضى الذين يترددون على العيادات النفسية، يعانون من الخوف المرضي، وهم ليسوا مرضى جسديًا، بل يعانون من خوف تحول إلى مرض نفسي، ويؤكدون على حقيقة مهمة ينبغي أن تعرفيها، وهي أن هذا الخوف قد ينشأ عنه أعراض جسيمة، لكنها نفسية المنشأ، ولعلنا نحيلك إلى الدكتور / محمد عبد العليم -جزاه الله خيرًا- ليحدثك عن شيء من هذا.

وهنا نؤكد على حقيقة مهمة جدًا لإخراجك من هذه الحالة التي تعيشينها، وهي أن توقني يقينًا جازمًا بأن الجن أو السحرة أو غيرهم من خلق الله تعالى، لا يقدر أحد منهم أن يصيبك بشيء، إلا بقدر يقدره الله تعالى، فالله وحده هو المتصرف، وكل الخلائق تحت قدرته ويتصرفون بإرادته، وقد قال الله لنبيه: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنا}[التوبة:51].

وكل الخلق عاجزون عن إيصال الضرر إليك، إذا لم يرده الله تعالى، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء فلن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك".

ثم نتساءل معك فنقول: إذا كان الأمر موكولًا إلى الشياطين ونحوهم، فلماذا لا يفعلون بنا ما يريدون؟ أليسوا أعداءنا؟ فلماذا لا يصرعوننا؟ لماذا لا يقتلوننا؟ لماذا لا يتخطفوننا؟ لماذا؟ إلى آخر ما هنالك من الأسئلة.

والجواب عن هذا كله سهل يسير، وهو أن تعلمي أن الله تعالى قد وكل بنا ملائكة تقوم بحفظنا وحراستنا من كل مكروه، ونحن لا نراها، يقول الله تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد:11]، قال العلامة ابن كثير -رحمه الله- في تفسير هذه الآية: أي: للعبد ملائكة يتعاقبون عليه حرس بالليل وحرس بالنهار يحفظونه من الأسواء والحوادث، كما يتعاقب ملائكة آخرون لحفظ الأعمال من خير أو شر.

وقال إمام المفسرين مجاهد بن جبر -رحمه الله-، في تفسير هذه الآية: ما من عبد إلا له موكل يحفظه في نومه ويقظته من الجن والإنس والهوام، فما منها شيء يأتيه يريده إلا قال الملك: وراءك –يعني: ارجع وراءك– إلا شيء بإذن الله فيه فيصيبه.

فنحن ننصحك بأن تطردي عن نفسك هذا الخوف، وثقي بالله تعالى وحمايته، وستجدين نفسك فعلًا في عافية، ونوصيك بالمحافظة على الأذكار خلال اليوم والليلة، وحضور مجالس الذكر، والاشتغال بالبرامج النافعة في دين أو دنيا، وتجنب الانفراد والخلوة ما استطعت، وسيذهب عنك ما تجدين -إن شاء الله-.

وبالله التوفيق والسداد.
————————————————————————
انتهت إجابة: الشيخ/ أحمد الفودعي … مستشار الشؤون الأسرية والتربوية.
تليها إجابة: د. محمد عبد العليم … استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان.
————————————————————————
فإن هذه الكنية، أو الاسم الذي اخترتِه لنفسك لا أفضّله مطلقًا، لماذا تلصقين بنفسك مثل هذه الصفات؟ أنتِ -إن شاء الله- بنت الفرح، وبنت الأمل، وبنت الإسلام، وبنت المستقبل، يجب أن لا تضعي هذا التصور السلبي عن ذاتك.

كثير من علماء النفس اتفقوا بعد بحوث مضنية على أن من أسوأ ما يمكن أن يضر الإنسان، هو أن يضع صورة مشوّهة عن ذاته، ويُلبسها السمات السلبية، ويقلل من شأنها، ويقسو عليها بهذه الطريقة، وهذا هو منهج النبي -صلى الله عليه وسلم- حين قال: "لا يقولنَّ أحدكم خبثت نفسي، ولكن ليقل: لقست نفسي"، بمعنى: أنه لا ينبغي للإنسان أن يصف نفسه بالخبث، أو ما شابه ذلك من الأسماء أو الصفات الذميمة.

فأرجو منكِ، أن تنظري إلى الأمور بإيجابية.

أما فيما يخص الإجابة على سؤالك: فقد أفاد الأخ الشيخ/ أحمد الفودعي –حفظه الله–، وأعتقد أن ما ذكره لك كان كافيًا ومقنعًا ومنهجيًا وعلميًا، إذا أخذت به -إن شاء الله- فسوف يؤدي إلى تصحيح مفاهيمك حول العين والسحر والجن، وهذه إشكالية وقعنا فيها في منطقتنا، فكثير من الناس يشغلون أنفسهم بقضية الجن والعين والسحر، بدرجة اختلطت فيها الحقائق بما هو غير صحيح.

وهذا أدى إلى كثير من الإرباك، وإلى تشويه نفوس الناس، وإلحاق الضرر بهم، في حين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر أن لكل داء دواء، وما أنزل الله من داء إلا له دواء، علمه من علمه وجهله من جهله، وإذا أرجعنا كل شيء إلى الجن والعين والسحر، فإننا بذلك ننفي وجود الأمراض، ووجود العلل، فالأمر واضح، والمسلم والمؤمن في حرز الله، وفي حفظ الله ومعيته.

من الواضح أن المخاوف التي لديك قد أخذت الطابع الوسواسي، وهذا الطابع الوسواسي جعلك تضعين هذه الصورة الذهنية للمخاوف، وتبدئين بتحليلها وتفسيرها، حتى أصبحت نوعًا من الاجترارات المتعاقبة أدخلتك في هذه الحلقة المفرغة، وهذه الحالات نسميها بالحالات النفسوجسدية، فما يأتيك من قلق نسبة للتأثير الإيحائي الواقع عليك في موضع الجن والعين، أقصد بالتأثير الإيحائي: أن المعتقد السائد في المجتمع أُخذ بصورة مغلظة ومشوهة، وهذا أثر عليك كثيرًا.

يعرف أن القلق مكون عضوي؛ لأن التغيرات الفسيولوجية المصاحبة للقلق من تقلص في العضلات، وزيادة في تدفق الدم؛ هذا يؤدي إلى الشعور بالتنميل، وبالآلام في أطراف مختلفة، وأجزاء مختلفة من الجسم، فالذي أريد أن أصل إليه هو أن حالتك في الأصل هي حالة قلقية، تتشعب وتتفرع منها القلق، وأخذت -كما ذكرت- المنحى الوسواسي.

إذن فاستفسارك عن حالتك في حد ذاته يجب أن يكون ركيزة العلاج الأولى، وما ذكره الأخ الشيخ/ أحمد، يجب أن تأخذيه بحذافيره.

أود أن أصف لك بعض الأدوية البسيطة، وهو دواء واحد يعرف عنه أنه ذو فعالية متميزة في علاج القلق والمخاوف والوساوس، الدواء يعرف بـ (سبرالكس Cipralex)، ويعرف علميًا باسم (استالوبرام Escitalopram)، أرجو أن تبدئي في تناوله بجرعة 10 ملغ يوميًا، تناوليها بعد الأكل، استمري على هذه الجرعة لمدة شهر، ثم ارفعي الجرعة إلى 20 ملغ يوميًا، واستمري عليها لمدة ثلاثة أشهر، ثم خفضي الجرعة إلى 10 ملغ يوميًا، واستمري على هذه الجرعة الوقائية لمدة ستة أشهر، ثم خفضيها إلى 5 ملغ لمدة شهر، ثم توقفي عن تناول هذا الدواء.

أؤكد لك أن الدواء من الأدوية السليمة والفعالة، وهو غير إدماني ولا يؤثر على الهرمونات النسوية، -وبإذن الله تعالى- بعد أن تبدئي العلاج بشهرين سوف تحسين بالفرق الواضح جدًا؛ لأن صحتك النفسية سوف تتحسن -بإذن الله تعالى-.

أود أن أركز على النقطة التي ذكرها الشيخ/ أحمد، وهي ضرورة أن تشتغلي بالبرامج النافعة، وتغيري من نمط حياتك، وهذا علاج سلوكي مهم جدًا.

وبارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونسأل الله لك الشفاء والعافية، ونشكرك على التواصل مع إسلام ويب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً