الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

شخصيتي ضعيفة أكتفي بالصمت ولا أعرف كيف أتصرف!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

عمري 19 سنة، ومشكلتي هي ضعف الشخصية، فأنا فتاة جدًا انطوائية، ولا أستطيع التحدث كثيرًا مع الناس، والآن أصبحت حتى مع أهلي أكتفي بالصمت، وقد تمر الجلسة دون أن أقول سوى كلمة واحدة، وإذا كانت المجموعة كبيرة، أكتفي بالتفاعل بحركات وجهي فقط، وإذا كانت المجموعة صغيرة، ربما أقول جملة واحدة.

في البداية كانت أمي هي أكثر شخص أتحدث معه وأشكو لها، لكن بعد ذلك حدثت بيني وبينها مشكلة، والآن أتكلم معها بشكل عادي، وأكبت ما يدور في نفسي كثيرًا، وعندما أعود إلى البيت، أندم على أنني لم أتكلم، وأفكر فيما كان يجب أن أقوله وأبحث عن حلول، وأقول في نفسي: لو أنني فعلت كذا..

زادت الأمور تعقيدًا بعد أن تركت الجامعة ودخلت تخصص الطب، وكانت أسوأ أيام حياتي، كنت لا أختلط بأحد، أجلس في ركن بمفردي خلال فترات الاستراحة، وكان من المستحيل أن أذاكر. وعندما أعود من الدوام، أمسك شنطتي وأرميها على الأرض، ثم بدأت أجمع الكتب وأرميها في الزبالة، في الليل جاء والدي وأخذها من الزبالة. لم يهدأ لي بال إلا بعد أن تركت الدراسة، حضرت فقط ثلاثة اختبارات في منتصف الفصل، أما الاختبارين الأخيرين فقد انسحبت منهما، وسحبت سنة دراسية بعد أن أقنعني الموظفون بأن أسحب إخلاء الطرف.

والآن دخلت معهدًا لتعلم اللغة الإنجليزية، لكن ما الفائدة إذا لم أتمكن من المذاكرة؟ مع ذلك درجاتي جيدة، وأستطيع الحصول على امتياز، لكنني لا أستطيع المذاكرة، هذه الحالة جاءت فجأة بعد أن كنت أحقق الامتياز في المدرسة، حيث انقلبت الأمور وأصبحت أكره النظر في الكتب.

ويزداد لدي الوسواس القهري عندما أختلط بالناس؛ لأن الناس يحتاجون إلى شخصية قوية للتعامل معهم، وليس شخصية مهزوزة، فأنا لا أستطيع التركيز، وعندما يحدث موقف أمامي، لا أعرف كيف أتصرف وأكتفي بالصمت، هذه الحالة عندي منذ أن كنت طفلة، ودائمًا أتذكر من ظلمني أو المواقف التي آذتني، حتى عندما يتحدث إليّ أحد، لا أميز بين ما إذا كان الكلام لتوضيح رأي أو تجريحًا، وأكتفي بالصمت.

لدي إيمان بأنني قضيت نصف حياتي وأنا صامتة، إلا إذا كان نوع الحوار ينحصر في الإجابة بنعم أو لا، والله أنا عمري لم أؤذ أو أظلم أي شخص، ولذلك أنقهر وأتعب عندما يؤذيني أحد بكلمة أو حركة، وربما أعيش في مجتمع يحب الشخصية القوية؛ لأن أقاربي لا يحترمون إلا القوي لدرجة الوقاحة وقلة الأدب، وعلى الرغم من ذلك، ليس لدي أي صديقة، ولا أذهب إلى أحد سوى أقاربي.

دائمًا عندما أحاول التحدث، أقول في نفسي: ربما يتم فهمي بشكل خاطئ، فأصمت، أرى أطفالًا -ما شاء الله-، شخصياتهم مستقلة، ويعرفون كيف يطالبون بحقوقهم، ويأخذون حقهم، ويردون عن أنفسهم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ رهف حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك في استشارات الشبكة الإسلامية، ونتمنى لك دوام الصحة والعافية.

أختنا العزيزة: يظهر من ما تم سرده في استشارتك أنك تتمتعين بقدرات عقلية عالية، وسمات شخصية جيدة، ولكن ربما يكون ضعف الثقة بالنفس كبّل وحجّم هذه الإمكانيات، فنقول لك: ما زلت في ريعان شبابك، وما زالت الفرصة أمامك كثيرة، وإن شاء الله تحققين آمالك وطموحاتك، ما دامت الإرادة والعزيمة موجودة، فكوني مؤثرة في من حولك، ولا تكوني متأثرة به، وإليك بعض الإرشادات ربما تساعدك في التخلص من المشكلة:

1- عددي صفاتك الإيجابية، وإنجازاتك في الحياة اليومية، وحبذا لو كتبتها وقرأتها يوميًا، فأنت محتاجة لمن يعكس لك صفاتك الإيجابية ويدعمها، ويثني عليها، والمفترض أن يقوم بهذا الدور الوالدان، أو الأخوات، أو الصديقات.

2- لا تقارني نفسك بمن هم أعلى منك في أمور الدنيا، بل انظري إلى من هم أقل منك، واحمدي الله على نعمه، وتذكري أنك مؤهلة للمهام التي تؤدينها.

3- عدم تضخيم فكرة الخطأ وإعطائها حجمًا أكبر من حجمها؛ فكل ابن آدم خطاء، وجلّ من لا يخطئ، وينبغي أن تتذكري أن كل من أجاد مهارةً معينة أو نبغ في علمٍ معين مرَ بكثيرٍ من الأخطاء، والذي يحجم عن فعل شيءٍ ما بسبب الخوف من الخطأ لا يتعلم ولا يتقن صنعته.

4- ضعي لك أهدافًا واضحة، وفكري في الوسائل التي تساعدك في تحقيقها، واستشيري ذوي الخبرة في المجال.

5- تجنبي الصفات الست التي تؤدي للشعور بالنقص وهي:
- الرغبة في بلوغ الكمال.
- سرعة التسليم بالهزيمة.
- التأثر السلبي بنجاح الآخرين.
- التلهف إلى الحب والعطف.
- الحساسية الفائقة.
- افتقاد روح الفكاهة.

6- عززي وقوي العلاقة مع المولى عزَ وجلَ بكثرة الطاعات وتجنب المنكرات.

7- زودي حصيلتك اللغوية بالقراءة والاطلاع والاستماع لحديث العلماء والمفكرين.

8- تدربي على إدارة حلقات نقاش مصغرة مع من تألفينهم من الأقارب والأصدقاء.

9- شاركي في الأعمال التطوعية التي تجمعك بالناس، وإذا أتيحت لك فرصة تدريس طلاب في المراحل الدنيا اغتنميها، ولا تترددي.

10- حاولي أن تضعي لك برنامجًا تدريبيًا يوميًا تقومين فيه بتحضير مادة معينة أو درس معين، وقومي بإلقائه في غرفةٍ خالية ليس بها أحد، أو بها من تألفينهم، ولاحظي على نفسك التغيرات التي تحدث لك في كل مرة، وقومي بتسجيلها أو تسجيل درجة القلق والتوتر التي تشعرين بها في كل مرة، واجعلي لها مقياسا من (1 إلى 10) حيث إن الدرجة عشرة هي أعلى درجات القلق، ثم اجتهدي في كل مرة أن تخفضي هذه الدرجة إلى أقل ما يمكن؛ لاستعادة الثقة بالنفس، وبالتالي التغلب على المشكلات.

نسأل الله تعالى لك التوفيق لما يحبه ويرضاه.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً