السؤال
السلام عليكم.
حالتي لا تختلف عن حالات الكثيرين ممن مروا بضياع نفسي وإحساس داخلي برفض الدنيا بما فيها، ولكن كل شخصية وتختلف في طبائعها، لا أعلم متى بدأت حالتي بالتدهور، فالأحداث توالت واحدة بعد الأخرى.
منذ أن تخرجت من الجامعة ومهزلة الحياة بدأت، في بداية عملي تعاملت مع أشخاص لا يؤمنون بأن الرزق بيد الله وحده وإنما بأيديهم، وظهر ذلك في حجب المعلومات ونقل الكلام للمديرين والاتفاقات الجانبية، كل هذا وكنت لا أعرف كيف أتعامل، فقد كنت تلميذا جديدا في مدرسة الحياة، وما أدراك ماذا يحدث للمستجد من استغفال! تلقيت دروسا عديدة وتنقلت من عمل إلى آخر وفي كل مرة كنت أقابل نفس ذات الأشخاص باختلاف أشكال الوجوه.
تلك الدروس الحياتية أثرت في شخصيتي وأتعبتني نفسيا، فأنا لم أعتد التعامل مع أشخاص يغيرون وجوههم كل صباح، بسببهم كنت أفقد ثقتي بنفسي وبالعدل، وكنت أستعيد ثقتي برسائل الله لي عندما كان يرجع الله لي حقي بلا حول لي ولا قوة بعد قضاء فترة عصيبة من ضغط وألم، وهذا طبيعي!
فالظلم ساعاته طويلة وظلمته موحشة! لي فترة حاليا أمر بنفس الضيق ولكن هذه المرة لم يرسل الله لي أي رسائل تنقذني مما أنا فيه والظلم الواقع علي، وأعترف أن سبب أخذ عملي حيزا كبيرا من حياتي هو الفراغ الذي أحاول أن أملأه، ولكني أفشل بسبب الإحباط الذي بداخلي والمؤثرات التي تضغط على نفسيتي وتفقدني اللذة بأي عمل أقوم به، بجانب أن شخصيتي تميل إلى المثالية في الحياة عموما، فأنا مثلا أؤمن أن علي إتقان العمل وعلى الآخرين أن يقدروا ذلك في حين أني أتقن العمل وأقابل بالمزيد من اللامبالاة، وعدم التقدير، والأسوأ من ذلك أنهم يعتبرون ما أقوم به حق مكتسب، وإن قصرت في يوم نتيجة شيء خارج عن إرادتي يعتبرون هذا تقصيرا.
وعندما أقوم بما عليّ تجاه الآخرين لكن المقابل يكون إما تقليل من شأن ما أفعل رغم أنهم لا يبادلون بجزء صغير منه، أصبح الناس بارعون في الأخذ دون عطاء.
هذا جانب من حياتي، الجانب الآخر والذي يمثل ضغطا كبيرا في حياتي كان رهبتي وخوفي من فقدان والداي، أبي وأمي هما كل حياتي، دعوت الله كثيرا ألا أعيش ليوم أفقدهم فيه، دعوته ثم رجوته لدرجة أني وصلت إلى يقين في الدعاء أن الله لن يخيبني، وظللت أستمر في الدعاء حتى حدث أول مفرق في حياتي وهو وفاة والدي، عندها فقدت الثقة في اليقين بالدعاء والإصرار والإلحاح فيه، وفقدت معها أشياء بداخلي، وزاد علي الخوف والألم من فقدان أمي، وفقدت الثقة أنني من الممكن أن أدعو ألا أعيش ليوم فقداني لأمي ويستجيب الله لي.
ضغط نفسي بشع وكبير أعيش بداخله، أنا أعلم أن الموت حق لكن تجربة وألم فقدان والدي يصعب علي أن أعيشها مرة أخرى، وأنا لم أخرج منها بعد؛ لدرجة أن عقلي يرفض فكرة وفاة والدي بالرغم من مرور سنوات عدة على وفاته.
أنا أعيش مع أسرتي وبحكم أني أعيش في مكان يقرب لعملي -ويبعد عن منزل والدي- لا أراه لكنه موجود، وفي لحظات أشعر أنه بالفعل قد مات، وعندها أشعر بوخز في قلبي حتى يستعيد عقلي قوته ويقتنع أنه حي موجود.
أمي أصبحت نقطة ضعفي في الحياة وخوفي وألمي من أن أفقدها! لماذا لم يستجيب الله لي وأنا الذي دعوته بصدق ويقين.
الجانب الثالث من حياتي هو: انعزالي عن الناس والأصحاب، ليس لدي أصدقاء مقربين وليس لدي ثقة أن هناك صديق مقرب، فكل من مروا بحياتي لا يستحقوا لقب صديق رغم أني أحاول جاهدا أن أكسب صديق، لكن للأسف لا أحد منهم يعرف ما هو معنى الصديق!
زاد انعزالي ودفنت نفسي في وحدتي، وأصبحت فريسة لجشع ونفاق وزيف من هم في حياتي العملية وبين خوفي على أمي وتأثر علاقتي بالله، فما عاد لدي اليقين في الدعاء، وما عدت أشعر أن هناك تأثير للدعاء في حياتي.
ضياع نفسي، خوف، رهبة، عدم يقين، أشعر وكأني أقف داخل قارب مصنوع من الورق في وسط محيط ليس هناك يابس أرسو عليه ولا أقف على شيء ثابت يعطيني الطمأنينة، والقارب الورقي يذوب في الماء وأنا أغرق معه!