الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما إن التزمت حتى بدأت تنهال علي الوساوس، فأرشدوني!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كنت في السابق غير ملتزمة دينيًا، ثم منّ الله علي بالهداية، وبدأت ألتزم بالتدريج، وأجتهد قدر استطاعتي، ولكن بعد فترة بدأت تراودني وساوس تتعلق بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم بالله -عز وجل-، فقلت في نفسي إنها وساوس شيطانية كما قرأت في موقعكم، فحاولت تجاهلها.

بدأت أقرأ القرآن بانتظام وأختم جزءًا يوميًا رغم صعوبة التركيز، ثم شرعت في قراءة كتاب عن سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولكن منذ الصفحة الأولى عادت الوساوس والتشكيك والكلمات السيئة؛ مما أشعرني بضيق شديد في صدري، فتوقفت، وحاولت مجددًا دون فائدة، حتى بدأت الوساوس تلاحقني حتى مع القرآن.

كنت أحب الله ورسوله، وأخاف من معصيته، لكن الآن تراكمت عليّ الوساوس والأفكار، حتى بدأت أشك في كل شيء، وشعرت أني فقدت إيماني، إذا سمعت القرآن أشعر وكأني من أهل النار، وإذا ذُكر الله أو الرسول تظهر في ذهني كلمات خبيثة لا أدري من أين تأتي.

ثم بدأت أشك في كل ما حولي، وكأن قلبي قد مات، لا أشعر بالطمأنينة كما كنت، ولم أعد أتفاعل مع الأمور الدينية كما في السابق، والآن أشعر بالكفر، وأتساءل: هل أنا كافرة؟ هل انتهى أمري؟ أريد التوبة، لكنني أشعر أنني أكذب على نفسي وأنني منافقة.

أرجو منكم مساعدتي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ .. حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلًا بكم في استشارات (إسلام ويب)، وإنا لنرجو الله أن يبارك فيكم، وأن يحفظكم بحفظه.

فإن ما ورد في رسالتكم من معاناة الوساوس في الإيمان، وما يصاحبها من ألم نفسي، واضطراب في الشعور، وشكوك في العقيدة، لا يدل على كفرٍ ولا نفاق، بل هو من جملة ابتلاءات أهل الإيمان، إذا كرهها العبد ونفر منها واستعاذ بالله منها؛ كانت دليل صدقٍ ويقين، لا علامة انحراف أو ضلال، فأملي الخير واستبشري -أيتها الفتاة المؤمنة-.

واعلمي أن هذ ديدن الشيطان مع كل قلب مقبل على الله، وقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «يأتي الشيطان أحدكم، فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغه، فليستعذ بالله ولينتهِ» (رواه البخاري ومسلم)، وفي رواية أخرى قال -صلى الله عليه وسلم-: «ذاك صريح الإيمان» (رواه مسلم).

فلا يُكفّر العبد بهذه الوساوس، ما لم ينطق بها مختارًا مريدًا مطمئنًا إليها، بل كلما كان العبد أشد إنكارًا لها كحالتك تلك، وأشد نفورًا منها، دلّ ذلك على حياة قلبه، ويقظة إيمانه، وإن خيّل إليه أنه على غير ذلك.

والذي أصابك -أختنا الفاضلة- هو من كيد الشيطان، إذ لم يجد إليكِ مدخلًا من المعاصي والهوى، فدخل من جهة الدين، يشكك في الله، وفي رسوله، وفي الكتاب، ليقلب نور الهداية إلى حيرة، ويغطي نور الإيمان بسحابة من الظنون.

فاصبري واثبتي؛ فإن المجاهدة في هذا الباب من أعظم أنواع الجهاد، وقد وعد الله المجاهدين فيه بالهداية، فقال: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) [العنكبوت: 69].

والآن إليكِ الخطوات العملية لمواجهة هذه الحال:

1. التجاهل التام، وعدم النقاش الداخلي: لا تردي على الوسواس، ولا تناقشيه في قلبك، ولا تحاولي إقناعه أو دفعه بالعقل، بل اصرفي ذهنك عنه مباشرة وكأنك لم تسمعيه.

2. الاستعاذة والانتهاء: إذا جاءكِ الوسواس، قولي فورًا: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)، ثم انصرفي إلى ذكرٍ أو عمل.

3. المداومة على الأذكار اليومية: حافظي على أذكار الصباح والمساء، وأذكار النوم؛ فإنها حرزٌ حصين من وساوس الشيطان.

4. عدم العزلة، ومصاحبة أهل الإيمان: احرصي على الارتباط بصحبة صالحة، يسمع قلبك منها ذكر الله، ويثبت بها يقينك.

5. العودة التدريجية للنوافل: لا تنقطعي عن القرآن، ولا الصلاة، فالثبات مع المجاهدة سبيل الشفاء.

6. التقليل من متابعة الوساوس على الإنترنت: لا تكثري من قراءة المقالات والتفاسير حول الشبهات؛ فإن في ذلك تغذية غير مقصودة للاضطراب.

7. كثرة الدعاء والافتقار إلى الله: ابكي بين يدي الله وقولي: "اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، اللهم إني أعوذ بك من الشك والزيغ والنفاق"، وأكثري من الاحتماء به.

8. طمأنة النفس وتذكيرها بالرحمة: لا تقولي: "أنا كافرة"، أو "منافقة"، بل قولي: "أنا مبتلاة، وأجاهد، وسوف ينصرني الله تعالى ويأجرني".

نسأل الله أن يشفي صدرك، ويشرح صدرك للإيمان، ويقذف فيه النور، ويصرف عنك كل وسواس، ويكتب لكِ أجر المجاهدة والصبر.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً