الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

والدي لا يحسن التصرف في المعاملات المالية، فما الحل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مشكلتي أبي متزوج بزوجتين، أمي أنجبت سبعة أولاد، وزوجة أبي لديها ولد واحد، أهلي يسكنون في منزل بالإيجار، وكذلك زوجة أبي، وأبي موظف وعلى وشك التقاعد، ولا يكفي راتبه سوى لدفع الإيجارات والطعام، ورصيده صفر طوال 27 عامًا، ولا يملك فلساً تحت يده، وكانت لدينا قطع أراض ملكًا، باعها وتزوج بها، وباع منزلنا السابق بثمن بخس، من أجل مشروع فاشل، وخسر كل الأموال، وكلما دخل في مشروع يفشل فيه، بسبب عناده وعدم أخذ المشورة، والدي عصبي جدًا، وقطع رحمه، وعلاقته بإخوته وأخواته وأهل أمي، حتى أصدقائه، ونعاني من الملل في حياتنا بسبب القطيعة.

المهم: أصبح لدي راتب، وأختي أيضاً لديها راتب، وجمعنا مبلغًا محترمًا لكي نشتري لهم قطعة أرض، ونبني منزلًا بأحدث التصاميم، لكن أبي اعترض وأراد استثمار الأرض، ولا يبنيها الآن، وموقعها ليس للاستثمار، ومن المستحيل لأحد أن يشتريها، وعندما اعترضنا قام يسبنا أنا وأختي وأمي، وقال سأتبرأ منكم إذا لم تجعلوني أشتري هذه الأرض، هل هذا يستوجب التبرؤ منا؟ وأنكر هو وأمي فضلي أنا وأختي بمساعدتنا لهم، وقالوا لا نريد منكم أي مال.

حزنت لذلك وكذلك أختي، وإخوتي الصغار محبوسون في المنزل، وليس لديهم مال يكفيهم لأدنى متطلبات الحياة، فقد كنا نصرف عليهم، وجهزنا لهم الملابس وأحسن الطعام، وكذلك أجهزة المنزل، ولم نجعلهم في حاجة إلى الغرباء، وبعد كل ذلك لا يريدون منا مساعدتهم؛ فقط لأننا رفضنا شراء تلك الأرض، والتي قد يخسرها والدي مثل تلك الخسارات السابقة.

بالمناسبة: والدي كان يضرب أمي وإخوتي ضرباً مبرحًا ويشتمنا!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابنتنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر المشاعر النبيلة التي دفعتك للسؤال، ونسأل الله أن يُعينك على بر الوالدين، والصبر على ما تلقينه منهم، وأن يُلهمك وشقيقتك السداد والرشاد، هو وليُّ ذلك والقادرُ عليه.

أرجو أن تجتهدوا في أن يسمع الوالد منكم كل خير، ولا تقصروا في مساعدته بما يمكن، أمَّا الأمر الذي يلحق بكم وبه الضرر فتحايلوا في عدم فعله، وأدخلوا العقلاء والحكماء والدعاة، من أجل أن يُبيِّنوا له أهمية المحافظة وصيانة الأموال، وعدم المجازفة بمثل هذه الأعمال.

كونوا دائمًا –وهذه وصية لك ولأختك– مستمعين جيدين، وأعطوا الوالدين الكلام الجميل والوعد الجميل، قال ربنا العظيم: (وإمَّا تُعرضنّ عنهم ابتغاء رحمةٍ من ربك ترجوها فقل لهم قولاً ميسورًا)، من ميسور القول أن تقولي: (يا أبي إذا يسّر الله أبشر بالخير، لكن الآن سنفعل كذا، ونهتمّ بعلاجكم، بالصرف على إخواني الصغار، ونستخدم هذه الأموال بطريقة صحيحة)، ولا تحزني إذا قال: (أنتِ لا تفعلين شيئًا، وأنتم لم تفعلوا) فالله يعلم، والبر عبادة لله تبارك وتعالى، فإذا كان الوالد لم يعترف، أو الوالدة لم تعترف؛ فإن الله لا تخفى عليه خافية.

لا يحملك ما يحصل وما تسمعين منه على مقابلة إساءته بالإساءة، فإن الوالد والوالدة يظلّ لهم المقام الرفيع والدرجة الرفيعة مهما كانوا، حتى لو كان الوالد على غير ملّة الإسلام، فإنك لا تطيعينه إذا أمرك بمعصية، لكن مع ذلك قال ربنا العظيم: (وصاحبهما في الدنيا معروفًا).

استمري على هذه الصحبة الصالحة، واعلمي أن من الصحبة الصالحة الصبر على كل أذىً يأتي، ولا يحملك هذا الأذى على الرد السيء، وما ينبغي أن يحملك أيضًا على التقصير في الأمور الضرورية التي يحتاجها الوالد، وتحتاجُها الوالدة.

إذًا كوني مستمعة جيدة، وافعلي بعد ذلك ما فيه رضًا لله، ثم افعلي ما فيه مصلحة وليس فيه مضرّة، ولكم البشرى إذا قمتم بما عليكم؛ فإن الله قال لمن قام بما عليه -وإن لم يرض الوالد ولم ترض الوالدة-: (ربكم أعلم بما في نفوسكم) من البر والرغبة في الخير، (إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوّابين غفورًا).

نسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً