الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أهلي يمنعوني من مخالطة الناس حتى أصبحت أشعر بالضعف!

السؤال

أنا فتاة بعمر 23 عاماً، منذ صغري وأهلي يخافون علي كثيرًا، ويمنعوني من الخروج ومخالطة الناس حتى للدراسة، وكنت أذهب فقط أيام الاختبارات.

علماً بأن بيتي يلاصق المدرسة، وفي الجامعة والدي يوصلني وينتظرني ويرجعني للمنزل، ليس عندي اختلاط بالناس، وأصبحت أخاف منهم، ولا أستطيع التعامل مع الآخرين، أو المطالبة بحقي، وعندما يجدني أهلي هكذا ينتقدونني، لأنني لا أستطيع التصرف، حاولت كثيرًا أن أقنعهم بأهمية جعلي أحتك بالأشخاص، وأني لست طفلة؛ لكنهم يجيبون أني سأظل ابنتهم الصغيرة، وهم يحمونني.

أنا أكره نفسي وشخصيتي الضعيفة، وكل موقف يواجهني أرى أن السبب يرجع لتربيتهم وخوفهم، فأنا أبذل الكثير من الجهد في الجامعة، وعند المناقشة مع الدكاترة لا أستطيع إظهار ما بذلته، ومن لم يبذل جهدًا واستطاع التعبير يكون في المقام الأول، من في سني هم أشخاص يتحملون المسؤولية، ويقدرن على التصرف، وأنا بجانبهم طفلة.

عندي صديقة واحدة، وأهلي يسمحون لي بالخروج معها، فيما لا يتعدى وقتاً يسيراً، واضطررت كثيرًا للكذب عليهم، والذهاب لأماكن أخرى معها أو الخروج بمفردي لأكسر خوفي من الناس والأماكن.

فكرت في التطوع في إحدى الجمعيات لأختلط بالناس، وأشعر أن لي وجودًا؛ لكنهم لم يوافقوا، وقالوا: تطوعي في منزلنا يكفي، أعلم أن أهلي لن يدوموا معي طول العمر، وأخاف من المستقبل، فأنا ما زلت طفلة لا تستطيع التصرف.

أخاف أيضًا من تربية أبنائي في المستقبل على هذا الضعف، وأن يكرهوني ولا يجدون فيّ القدوة، أخاف من الارتباط؛ لأنه تتبعه علاقات اجتماعية لا أعرف كيف تسير، نحن في بيتنا لا يوجد أصحاب لأمي أو لأبي، أو زيارات عائلية، ولا شيء من هذا، فبيتنا منعزل.

هل الكذب عليهم في الخروج والتطوع؛ لأستطيع بناء شخصيتي وأكون أقدر على مسؤولية نفسي وحياتي حرام؟ وكيف يكون التعامل في موقفي؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نعمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابنتنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام وحسن العرض للسؤال، ونسأل الله أن يهدي أهلك لأحسن الأخلاق والأعمال فإنه لا يهدي إلى أحسنها إلا هو، ونعوذ بالله من العجز والكسل، ونسأل الله تبارك وتعالى لنا ولكم التوفيق والسداد.

لا شك أن هذا الوضع الذي يحصل لك، فيه إبعاد لك عن الزميلات، وعن الخروج والعمل والنقاش والكلام؛ هذه كله سيجلب آثارًا ليست في مصلحتك، وليست في مصلحة الأسرة، ونسأل الله أن يعينهم على تجاوز هذا الضعف.

علينا أن نعلم جميعاً أن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر عليهم، خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم، وأن الإنسان الذي يكون عنده حماية زائدة ويمنع من مخالطة الناس، يكون ضعيفاً مثل الشجرة التي تنبت في الظل، بخلاف الشجرة التي تتعرض للشمس والريح، فإنها تثمر وتكون قوية وقادرة على مواجهة صعوبات الحياة.

عليه: فهذا الوضع ينبغي أن يصحح، ونتمنى أن تشجعي الوالد والوالدة أن يكتبوا إلينا؛ حتى يسمعوا التوجيه من الخبراء والمختصين، فهم لا زالوا -كما قلت- يعتبرونك طفلة، ولا يمكن أن يسمعوا النصيحة منك، لكن لو تواصلوا مع الموقع، مع الأخصائيين والأخصائيات فسيبينون للأبناء والأمهات والإخوان الكبار والأخوات خطورة هذا المسار الذي تمضي فيه هذه الأسرة على مستقبلهم، وعلى حياتهم، وعلى حقوقهم أيضاً.

أما خروجك مع هذه الصديقة، فهذا نوع من التطور الإيجابي، ولكن نحن لا نؤيد الكذب عليهم، ولا نؤيد الاحتيال عليهم؛ لأن هذا أيضاً مما لا يرضي الله، ولا نريد أن تعتادي هذا، لكن من المهم أن تواصلي النقاش، وتطلبي مساعدة الأخوال أو الأعمام أو الذين لهم صلة من قريب أو بعيد بالوالد والوالدة، وأحسن من ذلك أن تطلبي منهم أن يكتبوا للموقع ويتواصلوا، أو تكتبوا استشارة جماعية، لتكون الإجابة مقروءة للجميع؛ حتى نبين لكم أن هذا الذي يحدث غير صحيح، وله أضرار كبيرة وخطيرة جداً، إذا نحن حاولنا أن نمنع أبناءنا ونوفر لهم حماية زائدة، ونعتبرهم صغارًا، وإن كبروا، ونمنعهم أن يفعلوا أي شيء، ويكونون تحت أعيننا طول الأوقات.

كما أشرت نحن كآباء وأمهات لن ندوم لأبنائنا والبنات، وسنقدم أيضاً للمجتمع أشخاصًا ضعافًا، لا يستطيعون أن يواجهوا صعوبات الحياة، ونتمنى منك بعد هذا التعليم وأنت في الجامعة، أن تجتهدي أيضاً في أن تكسري هذا الحاجز، بأن تتواصلي مع الصالحات، وتطوري علاقتك بالبنات، فإذا كان الوالد يوصلك إلى الجامعة، فداخل الجامعة صالحات وبنات لهن أثر، وبنات لهن قدرة على التواصل معك، أرجو أن توسعي دائرة الصداقات داخل الجامعة، فإنها تعتبر من المخارج المهمة مع الزميلات الصالحات.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يعين الأهل على تفهم الأخطاء التي أشرت إليها، ونحن نوافق على أن هذا الذي يحدث غير صحيح، ونتائجه لن تكون طيبة، وسيكون هناك ضعف وخلل في تربية الأجيال، إذا نحن ربيناهم بهذه الطريقة التي فيها حماية زائدة، وخوف زائد، ومتابعة زائدة، كل ذلك إذا زاد عن حده، بالتالي سيؤدي إلى نقيضه وضده.

نسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد، ونحب أن نؤكد لك وللأهل أن الحافظ هو الله تبارك وتعالى، وأن الإنسان ينبغي أن يبذل الأسباب، ثم يتوكل على الكريم الوهاب سبحانه وتعالى.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً