السلام عليكم

هل الأخذ بالأسباب، والتوكل على الله يكون في كل شيء، مثل القبول بين الناس، فيأخذ دورات عن طرق التعامل مع الناس، ويغير بعض طباعه، أو مثل أن يتعلم مهارات جديدة ليتميز في مجال عمله، أم أن الأخذ بالأسباب ينحصر في الأمور الواضحة مثل: طلب الرزق، وأمور أخرى؟

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سامي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نعم، الأخذ بالأسباب مبدأ شامل في الإسلام ينطبق على كافة جوانب الحياة، بما في ذلك التطوير الشخصي والمهني، والتوكل على الله لا يعني الجلوس دون عمل وانتظار النتائج؛ بل يعني بذل الجهد والسعي في اتخاذ الخطوات العملية نحو تحقيق الأهداف، مع الإيمان والثقة الكاملة بأن النتائج النهائية بيد الله وحده.

القرآن الكريم والسنة النبوية مليئان بالأمثلة والتوجيهات التي تحث المسلم على الأخذ بالأسباب في مختلف الأمور، على سبيل المثال: قوله تعالى في سورة الطلاق، الآية 3: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ)، يشير إلى أهمية الاعتماد على الله، والأخذ بالأسباب في ذات الوقت.

فيما يتعلق بالقبول بين الناس، وتعلم مهارات جديدة للتميز في مجال العمل، فهذا يعتبر جزءًا من الأخذ بالأسباب، تحسين الذات واكتساب مهارات جديدة يمكن أن يكون وسيلة لتحقيق النجاح والتفوق في الحياة الدنيا، وكسب رضا الله تعالى في الآخرة.

كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ). هذا الحديث يحث على الإتقان والتفاني في العمل، وهو يشجع على تعلم وإتقان المهارات الجديدة.

الأخذ بالأسباب لا يقتصر على الأمور المادية مثل: طلب الرزق فحسب، بل يشمل أيضًا تطوير العلاقات الشخصية، تحسين الصحة النفسية والبدنية، التعليم والتدريب، وغيرها من الجوانب التي تسهم في تحقيق الرفاهية والنجاح في الحياة.

في النهاية، يجب أن يكون هدف المسلم هو تحقيق التوازن بين الأخذ بالأسباب والتوكل على الله، مع الإيمان الراسخ بأن كل شيء يحدث بإرادة الله وقدرته.

إحدى القصص التي تعكس مبدأ الأخذ بالأسباب مع التوكل على الله هي قصة النبي داوود عليه السلام وصناعة الدروع، يروي لنا القرآن الكريم كيف أوحى الله سبحانه وتعالى إلى داوود عليه السلام بصناعة الدروع التي تحمي المحاربين في الحرب.

قبل ذلك كان المحاربون يستخدمون الدروع الثقيلة التي تصعّب عليهم الحركة في ساحة المعركة، فأوحى الله إلى داوود: (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) (سورة سبأ: 10)؛ مما مكنه من صناعة دروع متشابكة من الحديد، أخف وزنًا وأكثر فاعلية في الحماية، هذا الإبداع في صناعة الدروع سهّل على المحاربين حملها، وزاد من فعاليتهم في القتال.

هذه القصة تعلمنا أهمية الابتكار والسعي وراء إيجاد حلول عملية للتحديات التي نواجهها في الحياة، مع الإيمان الكامل بأن التوفيق والنجاح من عند الله، داوود عليه السلام، رغم كونه نبيًا ومعه الوحي، لم يكتفِ بالدعاء وحده للفوز في المعارك، بل عمل وابتكر وأخذ بالأسباب المتاحة له.

تعلمنا هذه القصة أن التوكل على الله لا يعني الجلوس دون عمل، بل يعني بذل الأسباب والسعي وراء تحقيق الأهداف مع الإيمان القوي بأن الله هو الهادي إلى الطريق الصحيح والموفق للخير.

قصة أخرى هي قصة نبي الله موسى عليه السلام مع البحر قصة رائعة تجسد مبدأ الأخذ بالأسباب، مع التوكل على الله.

عندما أمر الله موسى عليه السلام وبني إسرائيل بالخروج من مصر فرارًا من ظلم فرعون وجنوده، وجدوا أنفسهم أمام البحر الأحمر، ومسدودة الطرق أمامهم، وفرعون وجنوده يطاردونهم من الخلف.

في هذه اللحظة المحفوفة بالخطر واليأس، وقف موسى عليه السلام موقفًا يعبر عن عميق توكله على الله، حيث قال: (كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) (الشعراء: 62)، بناءً على أمر الله، ضرب موسى عليه السلام بعصاه البحر فانفلق فورًا، وتكونت طريق جافة بين المياه؛ مما سمح لبني إسرائيل بالعبور بأمان.

هذه القصة تعلمنا أهمية الإيمان الراسخ بالله والثقة في نصره وفرجه، حتى في أشد اللحظات يأسًا وضيقًا، يظهر التوكل هنا في ثقة موسى عليه السلام التامة بأن الله سيفتح له ولقومه مخرجًا من هذا الموقف المستحيل بتدخل إلهي، وفي نفس الوقت نرى الأخذ بالأسباب من خلال الفعل الذي أمر الله به موسى، وهو ضرب البحر بالعصا، وهو فعل مادي وعملي.

تؤكد هذه القصة مرة أخرى على أن الإيمان بالله والتوكل عليه لا يعفي المسلم من القيام بالأسباب المتاحة، والعمل وفقًا للأوامر الإلهية، وأن النصر والفرج يأتيان دائمًا من عنده سبحانه وتعالى، مهما بدت الظروف صعبة والتحديات كبيرة.

وبهذا نعلم أن التوكل يدخل في كل الأمور، وليس محصورًا في الرزق ونحوه.

والله الموفق.