الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

صديقاتي يخرجن متزينات ويرفعن أصواتهن في الشارع!

السؤال

السلام عليكم

أعيش في هولندا، وألاحظ أن الفتيات المسلمات المحجبات يظهرن شديدات الجمال بالمكياج، والاهتمام الشديد بملابسهن، وأناقتهن في الخارج.

سؤالي: هل يحق لي أن أفعل مثلهن وأضع المكياج لإخفاء الحبوب في وجهي، والتزين في الخارج، أم أن هذا يغضب الله، وعليَّ أن أخرج بدون مكياج نهائيًا، وبملابس غير ملفتة أو تجذب الأنظار؟

ذلك لأني إن لم أفعل مثلما يفعلن، فقد يعتقد الناس أنني لا أهتم بنفسي -أثابكم الله- أخبروني كيف أكون وسطية؟ لا أريد أن أكون متشددة جدًا، ولا أن أكون متبرجة. كيف أجعل ملامحي جادة أو محايدة أثناء المشي في الشارع، بحيث لا تبدو عابسة، ولا تكون فيها فتنة لمن يراها؟

حتى في المساجد، ألاحظ أن الفتيات يتزيّن وكأنهن في سباق جمال، وباب الرجال بجانب باب السيدات، أي أن الزينة لا تكون موجهة للنساء فقط، حتى وإن لم يقصدن ذلك، فهل هذا حرام أم أنني متشددة في رأيي؟

هل يحلُّ للشابات المسلمات المحجبات الضحك واللهو في الخارج من باب الحرية، ما دام يغلب على ظنهن أن لا أحد يراقبهن، وبالتالي لا يعتبرن ذلك حرامًا؟

صديقاتي أصبحن لا يردن الخروج معي؛ لأنني لا أضحك في الشارع، ولأنني أخبرهن أنني لا أحب أن أرفع صوتي في الشارع؛ لأن ذلك يغضب الله.

أحيانًا أشعر أن من يقرأ في الدين كثيرًا يصبح أكثر تمسكًا بالحدود ممن لم يقرأ، فهل يجوز لي عدم التعمق في الدين حتى أعيش حياة أقل تقييدًا، وأقول يوم القيامة: "لم أكن أعرف"، فلا أُحاسب على الأمور التي لم أكن أعلم بها، أم أنني مطالبة بالقراءة في الدين حتى لو زاد ذلك من التزامي وحدودي في حياتي لإرضاء الله؟

وضعي الحالي: أنا لا أخرج إلا للضرورة، ولا أعمل؛ لأنني أخاف من الاختلاط والفتنة في مكان العمل، ولا أريد الزواج، وأبقى في المنزل أغلب الوقت، وإذا خرجت، يكون ذلك فقط مع أسرتي عندما يُصرّون على ذلك.

لا أعلم ماذا أفعل في حياتي إن لم أكن أدرس، فأقضي يومي فارغة، وأجلس أقرأ في موقعكم. ماذا أفعل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الابنة الفاضلة/ بيسال حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -بنتنا الفاضلة- في الموقع، ونسأل الله أن يزيدك حرصًا وخيرًا، والتزامًا وانضباطًا، وأن يهدي بنات المسلمين إلى الحق وإلى أحسن الأخلاق والأعمال، فإنه لا يهدي لأحسنها إلَّا هو.

العلم الشرعي فيه خيرٌ كثير، و(مَن يُرد اللهُ به خيرًا يُفقهه في الدّين)، والإنسان الذي يتعلّم أمر الدين على خير كثير، و (مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا، سَهلَ اللَّهُ له بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لطالب العلم رِضًا بِمَا يَصْنَعُ) كما قال صلى الله عليه وسلم.

العلم الشرعي هو المطلوب، وينبغي لكل مسلم ومسلمة أن يتعلّم الأمور الأساسية، لقول الله تعالى: (فَاعْلَمْ ‌أَنَّهُ ‌لَا ‌إِلَهَ ‌إِلَّا ‌اللهُ) [محمد: 19]، وهذا ما بوب له الإمام البخاري في صحيحه فقال: "بَابٌ: الْعِلْمُ قَبْلَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ، لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: (فَاعْلَمْ ‌أَنَّهُ ‌لَا ‌إِلَهَ ‌إِلَّا ‌اللهُ) فَبَدَأَ بِالْعِلْمِ، وَأَنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَرَّثُوا الْعِلْمَ، مَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ، وَ(مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ بِهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ)، فالعلم هو أول المطلوب، فاستمري في التفقّه في الدّين.

استمري في النصح للزميلات، وعليهنَّ أن يعلمن أنه لا مانع للفتاة من أن تُظهر زينتها بين النساء، شريطة ألَّا يكون ذلك في مرأى من الرجال، إذا كانت مع النساء فعليها أن تُظهر مفاتنها وجمالها وذوقها، وهذا من الأهمية بمكان؛ لأن النساء الموجودات في المراكز الإسلامية -أو في غيرها- فيهنَّ مَن تطلب صالحة لولدها، أو لأخيها، أو لعمِّها، أو لخالها، أو لأحد محارمها، وهذا متاح للفتاة.

نحن لا نريد للفتاة أن تعزل نفسها حتى عن مجتمعات النساء، بل ينبغي أن تظهر بين أخواتها كما قلنا، وتُظهر ما وهبها الله من صفات وجمال، هذا بين النساء، أمَّا إذا كان هذا بمرأى من الرجال فلا يجوز إظهار الزينة أمام الرجال؛ لأن هذا فيه فتنة للطرفين، خاصة والشيطان يستشرف الفتاة -يُزيّنها- ليفتنها ويفتن بها.

أمَّا إصرارك على زيادة التعلُّق بالعلم، فنحن ندعوك إلى أن تتعلمي العلم الشرعي، وتتفقهي في الدّين، واعلمي أن الرزق الذي قدّره الله تبارك وتعالى سيأتيك، فالأرزاق بيد الله، والأمر بيد الله تبارك وتعالى.

لا مانع من الخروج مع الأهل، والخروج إلى أماكن تعتقدين أن هناك فائدة في الخروج إليها، إذا كان هناك مكان للعمل فيه نساء يمكنك العمل معهنَّ، فهذا لا مانع فيه، وإذا كنت ستعملين في مكانٍ فيه رجال فعليك بأن تلتزمي بالحجاب الكامل، وتبتعدي عن مواطن الرجال.

المؤمن يتعلّم، ولا يقول (أترك التعليم حتى لا أعرف أشياء وأتعمّق وأتشدد في الدّين)، كلا.. نحن نريد أن نتعلّم الدّين -دين الوسط والجمال والكمال- وكل ما شرعه الله تبارك وتعالى جيد، فاحرصي دائمًا على أن تتفقّهي، وخذي العلم من الأتقى والأخشى لله، كما قال مالك: (إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ ‌دِينٌ ‌فَانْظُرُوا ‌عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ).

نسأل الله تبارك وتعالى أن يُفقهك في الدين، وأن يزيدك حرصًا وخيرًا وثباتًا، وأن يُقدّر لك الخير ثم يُرضيك به.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً