الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بيتنا ضيق أفتقد فيه للخصوصية ووالدي غير مبالٍ بأوضاعنا!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا فتاة، عمري 21 سنةً، أسكن مع أسرتي المكونة من 8 أفراد، ونعيش في شقة صغيرة جدًا، مكونة من غرفتين صغيرتين، ونعيش بطريقة سيئة جدًا؛ فالبعض منا لا يجد مكانًا ينام فيه، وكل ما أملكه في هذا المنزل هو فراشي، وأنا أريد غرفةً مستقلةً، أريد أن أشعر بالقليل من الخصوصية، ولكن لا أستطيع.

وطالما سمعت عن حديث يتكلم عن فصل البنات في المضاجع، ولكن في منزلنا لا يتم فصل الأولاد عن البنات؛ لأنه لا توجد مساحة؛ فأخي الصغير كان ينام مع أمي، وأمي تعامله معاملة الأطفال، وأختاي الصغيرتان حتى عمر 14 عاماً ينامان في نفس الفراش، وأبي راضٍ بذلك، وفخور أنه قد وفر شقةً صغيرةً لأولاده ولم يتركهم ليتشردوا، وغير مبالٍ بأوضاعنا أبدًا، بل يعتقد أننا نعيش في نعيم، كأنه يتعامل معنا بدونية!

أما أمي فهي تحترمه، وتراعي ظروفه دائمًا، وتعلم إخواني الاتكالية والإهمال؛ لأنها تجبرني على عمل الأعمال المنزلية وحدي، بينما أختي الكبيرة مستلقية طوال اليوم، وإخوتي الذكور كل عملهم هو إحضار الخبز والماء، ورمي سلة المهملات بمقابل مادي، وليس مجانًا، بينما أنا مسؤولة عن الأعمال المنزلية منذ الصغر، فمنذ أن كان عمري 8 سنوات وأنا أساعد أمي، وتعاملني وكأني بالغة، بينما إخوتي الذين تبلغ أعمارهم 17 سنةً تعتبرهم أطفالاً صغارًا، وكم كانت تؤنبني بسبب توسيخ إخواني وأخواتي للمكان، وتصفني بالكسل، كما أنها لا تثني عليّ، ولكنها في المقابل تقول بأنها تعمل كل شيء في المنزل، بينما هي تقوم بتحضير الطعام فقط.

إخوتي مهملون جدًا؛ فعندما يأكلون الطعام فإنهم يرمون البقايا أو القشور على الأرض، وأكون أنا المسؤولة عن تنظيفها، فتوبخني وكأني أنا سبب تلك الفوضى!

أشعر بضغطٍ رهيبٍ جدًا، عدى عن هذا فجارتنا ساحرة، وتقوم بأذيتنا.

أشعر بكل أنواع الدمار النفسي، وكل ما أريده هو الهروب من هذا الواقع، لماذا أتحمل مسؤولية إخواني وأخواتي؟ لماذا قاموا بإنجاب 6 أبناء بدون تخطيط، واهتمام لمستقبلهم؟ أنا لا أذمهما، وأعترف بفضلهما، لكن هذه هي النقطة الحساسة التي أشعر أنها تضغط على صدري دائمًا، أريد أن أعرف إذا كان هذا ابتلاء؟ وكيف أرضى وأحتسب؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -أختي الفاضلة- في استشارات إسلام ويب.

من المؤكد أن العيش في شقة صغيرة مع عدد كبير من الأفراد يسبب تحديات كبيرة، خاصةً عندما يتعلق الأمر بالخصوصية؛ فالرغبة في مساحة خاصة أمر طبيعي تمامًا، وحق من حقوقك، وخصوصًا في حق الفتيات، ولكن قد يكون من المفيد تذكير النفس في هذه الظروف التي تعيشينها أنها قد تكون مؤقتةً، ومن المفيد البحث عن حلول بسيطة مثل: تقسيم المساحة بمساعدة ستائر، أو ألواح خشبية متنقلة كخطوة إيجابية نحو تحسين الوضع، ولو بشكل جزئي.

من ناحية أخرى لا شك أن الإسلام يحث على فصل الأولاد عن البنات في المضاجع، وخصوصًا عند مرحلة البلوغ، ومع ذلك في حالات العجز عن توفير مساحة كافية، يجب البحث عن حلول بديلة تضمن تحقيق هذا المبدأ بقدر الإمكان، كذلك يمكن تذكير الوالدين بأهمية هذا الأمر في ديننا بطريقة لطيفة وبناءة.

من المهم أختي توزيع المهام داخل المنزل بين الأبناء بما يتناسب مع كل شخص، ويراعي ظروف كل واحد منهم، فالبنات لهم مهام خاصة، والأولاد لهم مهام خاصة تناسبهم، كما أن المريض له وضع خاص، والمشغول له وضع خاص كذلك؛ هذا التوزيع والتعاون في أداء المهام المنزلية يجنبكم الشحناء، ويحميكم من الصدمات داخل الأسرة، ويقلل الضغوطات النفسية، ولتحقيق ذلك حاولي الحديث مع والدتك بأسلوب هادئ، وأن تشرحي لها كيف أن هذا الضغط يؤثر على صحتك النفسية، فالحوار قد يكون له نفع كبير في هذه المواقف.

وجود جارة تؤذيكم قد يكون مشكلةً إضافيةً يزيد من الضغط الذي تشعرين به، فمن المهم أن تحافظي على الارتباط بالله تعالى عبر قراءة القرآن، وخصوصًا سورة البقرة، والتحصين من خلال الأذكار اليومية، وتجنب المصادمة مع هذه المرأة قدر الإمكان.

الشعور بالدمار النفسي في ظل هذه الظروف انعكاس طبيعي لواقعك الصعب؛ لذلك من المهم أن تعطي نفسك الوقت والفرصة للتعبير عن مشاعرك، وأن تبحثي عن وسائل للتعامل مع هذا الضغط، مثل ممارسة الهوايات، أو التحدث مع صديقات تثقين بهن، أو الانشغال بحفظ القرآن، أو تعليم الآخرين؛ هذا الأمر سيساعدك بقوة على الخروج من دائرة التوتر والضغط النفسي.

أختي الفاضلة: الشعور بالغضب، ولوم الوالدين على هذا الواقع يحتاج أن تراجعي فيه نفسك؛ فحق الوالدين عظيم حتى وإن حدث منهما التقصير؛ فقد يكون والدك فعلاً قدم كل ما يستطيع، وقد يكون عاجزًا عن توفير الأفضل لكم؛ لذلك تذكري أن ما تعيشين به من واقع رغم صعوبته إلا أن هناك واقعاً أصعب منه، ولو فكرت بهذه الطريقة، ونظرت إلى من هم أقل منك كمن ينام في العراء، أو تحت الخيام، ستقولين الحمد لله أن لي مكانًا يؤويني بأمان.

أخيراً: لا شك أن ما تمرين به هو نوع من الابتلاء، يقول تعالى: (ولَنبلونكم بشيءٍ مِنَ الخوفِ والجوعِ ونقصٍ مِنَ الأَموالِ والأَنفسِ والثمراتِ، وبشّرِ الصابرينَ)، فالله سبحانه وتعالى يختبر عباده ليقربهم إليه، وليكفر عنهم الذنوب، لذلك التوجه إلى الله بالدعاء والصلاة والصبر على هذه الظروف الصعبة هو الطريق الأمثل للرضا والاحتساب، وعليكِ أن تتذكري أن الصبر في مواجهة الشدائد هو من أعظم القربات إلى الله، وأن الله وعد الصابرين بأجر عظيم.

أخيرًا: -أختي الفاضلة- حافظي على قربك من الله من خلال الدعاء، وتلاوة القرآن، وذكر الله تعالى، ولا تنسي أن تبحثي دائمًا عن النقاط الإيجابية في حياتك حتى تشعري بالاطمئنان والسعادة، كذلك تذكري أن هذا الابتلاء مؤقت، وأن الفرج قريب -بإذن الله-، وكل هذا يهون عليك ما أنت فيه.

وفقك الله ويسر أمرك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً