الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

رغبة في العزلة مع ضعف شديد في الثقة بالنفس.. ما علاج ذلك؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أشكركم جزيل الشكر على هذا الموقع المبارك، وأسأل الله أن يجزيكم خير الجزاء على جهودكم.

أنا فتاة أعاني منذ فترة من رهاب اجتماعي شديد، يتمثّل في احمرار وسخونة في وجهي في المواقف الاجتماعية، أو أثناء الحديث مع الآخرين، حتى لو كانوا من الأقارب أو الزملاء، وهذا الأمر يسبب لي حرجًا كبيرًا، ويدفعني إلى الهروب من كثير من المواقف.

أشعر برغبة دائمة في الانعزال، وأُفضّل الجلوس بمفردي في معظم الأوقات، ولا أطيق الوجود لفترات طويلة مع الناس، كما أنني لا أُحب الضوء القوي، ولا الأماكن المزدحمة، وأشعر بعدم الراحة عند الخروج من المنزل، ولا أرتاح لسماع من يتحدثون كثيرًا، وأشعر بسرعة بالضيق والانزعاج من كثرة الكلام والضوضاء، وأشعر أحيانًا بضيق في صدري، لا سيّما في اللحظات التي يشتد فيها القلق أو الخوف، ويصعب عليّ التنفس بشكل مريح.

وفي بعض المواقف، خصوصًا أثناء تناول الطعام، ينتابني توتر شديد، يدفعني إلى هز جسدي أو أطرافي لاإراديًا، وكأنني أحاول تفريغ هذا التوتر، مما يسبب لي حرجًا كبيرًا، ويزيد من شعوري بالانزعاج.

إضافة إلى ذلك: أعاني من خوف شديد في أوقات معيّنة، خاصةً في الليل، فعندما أُحاول أداء قيام الليل، تراودني أفكار مزعجة ومخيفة تتعلق بالجن أو الملائكة، وأشعر بخوف شديد يمنعني أحيانًا من إتمام الصلاة، بل أحيانًا من البدء بها أصلًا، وهذا الأمر يُحزنني كثيرًا، لأنني أحب العبادة، ولكن هذا الخوف يسيطر عليّ بشكل غير مبرر.

كما أنني أعاني من ضعف الثقة بالنفس، وأشعر بأنني أقل من الآخرين، وأتردد كثيرًا في اتخاذ القرارات، أو التعبير عن رأيي، وهذا الشعور بالنقص يلازمني دائمًا، ويؤثر على علاقاتي وحياتي بشكل عام.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مريم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نشكرك على ثقتك في استشارات إسلام ويب.

استشارتك واضحة جدًّا، وقد عبّرتِ عن مشاعركِ وما يعتريكِ من أعراض بصورة دقيقة وواضحة، وأقول لك: بالفعل لديك درجة بسيطة إلى متوسطة ممّا يمكن أن نسميه بـ (الرهاب أو المخاوف القلقية)، أو (الرهاب الاجتماعي)، ومن الواضح كذلك أن لديك ما نسميه بـ (الأعراض النفسجسدية - psychosomatic)، مثل: احمرار الوجه، أو الخوف من المواجهات.

هذه الأعراض أعراض فيسيولوجية، فالشعور بالخوف يدفع الإنسان إلى أحد الموقفين: إمّا المواجهة، أو الفرار، وفي كلتا الحالتين، يزداد إفراز مادة الأدرينالين؛ مما يؤدي إلى تنشيط الدورة الدموية بصورة واضحة.

وعندما تنشط الدورة الدموية، تمتلئ الشرايين بالدم، لا سيّما الشرايين السطحية، مثل: تلك الموجودة في الوجه، وامتلاؤها بالدم يؤدي إلى هذا الاحمرار، فهي إذًا عملية فيسيولوجية بحتة، لا أكثر من ذلك.

وأنا أطمئنك: أن الصورة التي تتخيلينها عن هذا الاحمرار فيها قدر من المبالغة، نعم، قد يحدث بعض الاحمرار، لكنه ليس بالحدة التي تتصورينها، وأؤكد لكِ ذلك.

مجمل القول: إن الخوف هو سلوك مكتسب، وليس أمرًا وراثيًا، وكل الأشياء المكتسبة يعني أنها متعلَّمة، ويمكن للإنسان أن يتخلص منها من خلال التعلم، أو التعلُّم المضاد، ومن خلال اكتساب المهارات السلوكية، وعليه أقول لك: حقري فكرة الخوف، وأنا أؤكد لك أنه لن يحدث لكِ أي مكروه في أي موقف اجتماعي، وعليكِ ألَّا تتجنبي المناسبات، وتلبي الدعوات، فهذا أمر ضروري جدًّا.

وقد وجد أيضًا أن الأنشطة الاجتماعية الجماعية فيها خير كثير جدًّا، ومن خلالها يمكن للإنسان أن يُعالج نفسه بنفسه، مثلًا: المشاركة في حلقات القرآن، هذا علاج ممتاز جدًّا للرهاب الاجتماعي، وقد جرّّبه الكثير من الناس، ووجدوا فيه الفائدة الكبيرة، فأرجو أن تعدي لنفسك برنامجًا من هذه البرامج المفيدة.

التجاهل أيضًا مهم: تجاهل الأعراض، بمعنى ألَّا تركزي عليها، لا تكثري من النظر إلى وجه من يراكِ، عليكِ بالتجاهل التام، كذلك تمارين الاسترخاء مهمة جدًّا، وهناك تمارين للتنفس المتدرج: الشهيق بقوة وببطء عن طريق الأنف، ثم حبس النفس لفترة قصيرة، ثم إخراج الهواء (الزفير) بقوة وببطء عن طريق الفم، ولتطبيق هذه التمارين بصورة صحيحة، أرجو أن تطّلعي على أحد البرامج الموجودة على اليوتيوب.

بقي أن أقول لك: إنه توجد أدوية فعالة جدًّا لعلاج مثل هذه الحالات، وهذه بشارة أزفها إليك؛ هناك أدوية فعّالة جدًّا تعالج مثل حالتك، ويوجد دواء مفيد جدًّا يسمى علميًا (سيرترالين، Sertraline)، ويُعرف تجاريًا باسم (زولفت، Zoloft) أو (لوسترال، Lustral)، وربما تجدينه في بلادك تحت مسميات تجارية أخرى.

جرعة هذا الدواء هي: من 50 إلى 200 ملجم في اليوم، والحبة الواحدة تحتوي على 50 ملجم، أنتِ بحاجة إلى جرعة 100 ملجم يوميًا، وهي الجرعة الوسطية، وتكون البداية بأن تتناولي نصف حبة، أي 25 ملجم يوميًا لمدة عشرة أيام، ثم بعد ذلك حبة كاملة يوميًا لمدة أسبوعين، ثم حبتين يوميًا لمدة ثلاثة أشهر، ثم حبة واحدة يوميًا لمدة شهرين، ثم نصف حبة يوميًا لمدة أسبوعين، ثم نصف حبة يومًا بعد يوم لمدة أسبوعين آخرين، ثم تتوقفي عن تناول الـ السيرترالين.

هذا الدواء يتميز بأنه غير إدماني، وغير تعودي، ولا يؤثر على الهرمونات النسائية، وهو مفيد جدًّا لعلاج حالات الرهاب والقلق والمخاوف أيًّا كان نوعها أو مصدرها.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً