الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أفاتح أهلي في أمر الزواج وأنا لا زلت طالبًا؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

عندي سؤالان:

1- أنا شاب في 19 من عمري، حصل موقف بيني وبين فتاة في أمور الدراسة، فأحببتها وأحبتني، والله يعلم أني أحبها وأدعو الله في كل صلاة أن يرزقني بها، ولكني لا أريد أن أراسلها في الحرام، مع العلم أني لم أسمع صوتها، ولم أرها، ولم أطلب منها أي أمر محرم، وإنما تقتصر مراسلاتنا على حدود الأدب والأخلاق.

وقد أدركنا معًا أن هذا أيضًا محرم، وحاولنا مرارًا التوقف عن المراسلة، لكننا كلما توقفنا يومين أو ثلاثة عدنا وتراسلنا مرة أخرى، وفي الغالب أكون أنا من يبدأ.

نشعر بتأنيب الضمير، ونحاول أن نتوقف عن التراسل تصديقًا لقول الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ [العنكبوت: 69]، وقد اتفقتُ معها اليوم على أن أحذف رقمها من هاتفي، ويبقى رقمي معها إذا احتاجت لشيء، فهل هذا جائز؟ وهل هناك حل يساعدنا على الصبر إلى أن يشاء الله؟ لأننا لا نريد الاستمرار في المراسلة خوفًا من عقاب الله وغضبه وزوال البركة مستقبلًا.

2- بعد انتهائي من السنة الدراسية، قررت أن أعمل -بإذن الله- وأجتهد طلبًا لمغفرة الله، وأخذًا بأسباب الحلال، وأرغب في التقدم لخطبتها من أهلها، فهي فتاة ذات خلق ودين، ولكني لا أعلم كيف أفاتح أهلي، -خاصة والدي- في هذا الأمر، مع أن الشرع قد أباح ذلك.

أنا أريد أن أعفّ نفسي ولا أريد لما حدث أن يتكرر، كما أني لاحظت أني قد توقفت عن بعض المعاصي، والتزمت بالصلاة، وبدأت أتقرب من الله أكثر من أي وقت مضى، ولا أظن أني سأتمكن من الصبر كثيرًا، لذلك أريد أن أسرع قبل أن تحدث مشكلة.

أنا أعلم العديد من الأدلة الشرعية، ولكن الحديث مع أهلي لن يقتصر على الجانب الديني فقط، أرجوكم كيف أفاتح أهلي، وبالأخص والدي، في هذا الأمر؟

وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ AAEYYM حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -أخي الكريم- في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله أن يوفقنا وإياك لما فيه الخير والصلاح.

نبشّرك بأن حرصك على طاعة الله، والسعي للابتعاد عن المعاصي، هو توفيق من الله لك، وخير لك في الدنيا والآخرة. فالشيطان يتسلل إلى قلب الإنسان كلما اقترب من مواطن المعصية؛ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ﴾.

لذا، ننصحك بأن تحرص على التوبة النصوح: بالإقلاع عن الذنب، والندم عليه، والعزم على عدم الرجوع إليه، وابتعد عن كل ما يقربك من المعصية؛ فلا تفتح على نفسك بابًا مهما كان صغيرًا للعودة إليها، سواء بالمراسلة أو غيرها.

أخي الكريم، أنت في هذه السن بحاجة إلى التدريب على الصبر؛ فأنت في سن اشتعال الشهوة -سن المراهقة- وهي فترة يعيش فيها الكثير من الشباب اندفاعًا عاطفيًا، في ظل سهولة العلاقات المحرمة وتزيينها في وسائل الإعلام والتواصل المختلفة، مما يدفع البعض للبحث عن علاقات عاطفية -غالبًا- لا يُلتفت فيها إلى تحقيق مقاصد الزواج ومسؤولياته.

فالزواج ليس مجرد مشاعر ولحظات عاطفية فقط، بل هو مسؤولية وميثاق غليظ، يتطلب وعيًا ونضجًا وإدراكًا لتبعاته، وليس مجرد اندفاع عاطفي قد ينتهي بالندم أو الانفصال، عند مواجهة المسؤوليات والتحديات الكثيرة.

لذلك وجّه الإسلام الشباب إلى الزواج إذا توفرت القدرة الجسدية والنفسية والمادية، فإن لم تتوفر تلك الباءة، أرشد إلى الصوم كعلاج يتحقق معه الصبر وحفظ النفس، ولكنه الصوم الحق الذي يقطع الرغبة في الشهوات، ويشغل الفكر والقلب عن الملذات، كما في قوله ﷺ: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ».

فإن وجدت في نفسك القدرة الكاملة، فبادر إلى الزواج دون مبالغة في التكاليف، فالكفاية تكمن في توفير الأساسيات، والله وعد بالإغناء بفضله وكرمه بقوله: ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ۚ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ﴾.

أمَّا ما يتعلق بسؤالك الثاني؛ فإن كنت ترغب في الزواج، فعليك أولًا إثبات استعدادك الجاد لوالديك نفسيًا وماديًا، وكذلك لوليّ من ستخطبها؛ فذلك كفيل بكسب دعمهم وموافقتهم، أمَّا إن لم تكن مستعدًا، فمن الطبيعي أن يرفضوا، لأن الزواج مسؤولية لا تُبنى على العاطفة والرغبة وحدها.

أخيرًا، أخي الكريم: ننصحك بالتريث والتفكر بعقلانية، بعيدًا عن الاندفاع العاطفي، فإن كنت مستعدًا لتحمّل تبعات الزواج، فابدأ بخطوة صحيحة وشرعية عبر الخِطبة الشرعية، للاجتماع مع من اخترتها لتكون زوجة لك، دون الوقوع في أي مزالق يُزينها الشيطان والنفس الأمارة بالسوء.

وإن لم تكن كذلك، فأشغل نفسك وفكرك بالمفيد والنافع، وأكثر من الصوم، وتقرب إلى الله بالإكثار من ذكره والدعاء بأن ييسر أمورك حتى تمتلك الباءة وتعدّ نفسك لتكون رب أسرة ناجحًا، ولعل الله أن ييسر لك أمورك بعد ذلك لتنعم بزوجة صالحة وحياة مستقرة وسعيدة؛ قال تعالى: ﴿وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾.

وفقك الله ويسّر أمرك، وكتب لك الخير حيث كان.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً