الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ظروفي المادية لا تسمح بإنجاب طفل آخر، فماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم.

أنا متزوج منذ 8 سنوات، ولدي ولد عمره 6 سنوات، وضعي المادي مستور جدًا، ولكن على قدر الحال، أسكن بالإيجار في مكان عادي، في بيت صغير مساحته 80 مترًا مربعًا، لا أملك أموالًا طائلة في البنك، وأقصى ما يمكنني شراؤه هو هاتف محمول جيد.

ليس لدي أي أملاك غير الأشياء الموجودة في البيت -حرفيًا-، لدي دراجة نارية ليست بمالي، وعليّ ديون من عمل خاص قديم خسرته وقت جائحة كورونا، تتجاوز 150 ألف جنيهًا مصريًا.

حيلتي قليلة، ونفسيتي ليست في أفضل حال، لست على وفاق دائم مع زوجتي، نحب بعضنا، ولكن هناك مشاكل كثيرة، الآن، هي تريد إنجاب طفل آخر، وأنا أرفض تمامًا لأن وضعي ليس جيدًا.

ببساطة، أحاول تربية طفل واحد بمستوى جيد قدر استطاعتي، وأفضل بكثير من أن أنجب طفلين ولا أستطيع تربيتهما بشكل جيد.

راتبي وكل الأعمال التي أقوم بها بالكاد تكفي المصاريف الشهرية، وزوجتي تساعد بجزء من المصاريف، فهل من المنطقي أن أنجب طفلًا آخر يكون سبب معاناتي طوال العمر، ويعاني هو أيضًا؟ أنا راضٍ ومستمر، وأقول يا رب، ومتفائل بالخير، وأحاول جدًا، لكنني أشعر بالضغط النفسي الشديد، وأخشى أنني قد لا أستطيع الاستمرار مع زوجتي -وهي أيضًا تشعر بذلك-!

إذا أنجبت طفلًا آخر ولم أستطع توفير حياة جيدة له، سأشعر بالعجز الشديد، فماذا أفعل؟ الموضوع للأسف قد يصل إلى الطلاق، وإذا حدث ذلك، سأكون مضطرًا لتنفيذه، فهل أضحي وأموت وأنا أحاول، أم ماذا؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابننا الفاضل- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام وحُسن العرض للسؤال، ونسأل الله أن يُقدِّر لك الخير، وأن يوسّع عليك الرزق، وأن يملأ دارك بالمال والعيال، وأن يُلهمك السداد والرشاد، هو وليُّ ذلك والقادر عليه.

لا شك أننا بدايةً لا بد أن نفرّق بين تنظيم النسل وتحديد النسل:

أمَّا تنظيم النسل بأن يكون بين كل طفل وآخر فترة زمنية مناسبة؛ فهذا لا إشكال فيه من الناحية الشرعية، لأنه مرتبط بظروف الزوج والزوجة: (الدراسة، السفر، الاستقرار أو عدمه، صحة الزوج أو الزوجة)، وغير ذلك من الاعتبارات، فلا مانع شرعًا من تنظيم الإنجاب بهذا المفهوم.

أمَّا تحديد النسل، فلا يمكن أن يُقبل، خاصةً إذا كان مرتبطًا بمسألة الرزق؛ فالله هو الرزاق -سبحانه وتعالى- ونحن لسنا مكلّفين إلّا بالسعي، فقد قال الله تعالى: {وما من دابة في الأرض إلَّا على الله رزقها}، وما من طفل يخرج إلى هذه الدنيا إلَّا ويأتي برزقه، وقد قال النبي ﷺ: "وهل تُرزقون وتُنصرون إلا بضعفائكم؟"، و"طعام الاثنين يكفي الأربعة"، وكم من الناس توفي عن أبناء كثيرين، ثم عاش هؤلاء الأبناء في وضع أحسن من الذي كان عليه والدهم، لأن الرزاق حي لا يموت.

هذا المعنى لا بد أن يكون واضحًا، وهو ما ركزت عليه المؤتمرات الإسلامية، فلا يجوز أن يقول الإنسان: "أنا لا أستطيع"، أو "لن أقدر على الإنفاق عليهم"، لأنك لست أنت الذي تأتي بالأرزاق؛ فالله هو الرزاق ذو قوة المتين، والرزق أيضًا ليس بكثرته، وإنما ببركته، هناك أُسَر دخلها كبير، وأموالها طائلة، ولكنها تعيش في ضيق، وكم من أسر دخلها متواضع، لكنها تُحسن التدبير والله يبارك لهم في أرزاقهم، فهذا المعنى ينبغي أن يكون واضحًا في البداية.

الأمر الآخر: ينبغي أن تتناقش مع زوجتك بهدوء حول هذه المسألة، وتضعا النقاط على الحروف، وأكرر دعوتي لكما أن تُبعدا مسألة الرزق من أسباب التردد، ولا تقل: "أنا لا أستطيع أن أنفق عليهم"، فهذا ليس لك، ولذلك القرآن قال: {نحن نرزقهم وإياكم}، وفي آية أخرى قدم الأطفال على الكبار في الذِّكر: {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم}، العرب كانوا يقتلون أولادهم خوفًا من الفقر، إمَّا خوفًا مما قد يحدث، أو من الفقر الواقع بالفعل، ومع ذلك نهى الله عن هذا الأمر، وأكّد أنه هو الرازق، وقدم رزق الأولاد على رزق الكبار تأكيدًا لهذا المعنى.

لذا أرجو أن تعطي نفسك فرصة لمراجعة المعاني الشرعية، وتتفاهم مع زوجتك بهدوء، وألَّا يكون هذا سببًا للطلاق أو للخلاف والخصام بينكما، وإن كان بالإمكان أن تتواصل الزوجة، وتعرض وجهة نظرها، وتعرض ما عندها، حتى نستمع وننصح للطرفين.

لكن أكرر: تنظيم النسل لا مانع منه، أمَّا تحديد النسل فهو مرفوض شرعًا، خاصة إذا ارتبط بالخوف على الرزق أو التعليم أو نحو ذلك؛ لأن هذه أمرها إلى الله تبارك وتعالى، وكم من يتيم فقد أباه أو أبويه، ثم نشأ سعيدًا متعلمًا ناجحًا، لأن الرزاق حيٌ لا يموت -سبحانه وتعالى- وهو القائل: {وما من دابة} ليس الإنسان وحده، {وما من دابةٍ في الأرض إلَّا على الله رزقها}.

نحن علينا أن نسعى فقط، أمَّا الرزاق فهو حيٌ لا يموت، وقد روي أن امرأة صالحة لما مات زوجها، واجتمعت النساء حولها يسألنها: "مَن لهؤلاء الأطفال؟"، فقالت: "أمَّا هذا الذي مات فما عرفناه إلَّا أكِّالًا، أمَّا الرَّازق فإنه حي لا يموت".

نسأل الله أن يعينك على الخير، وأرجو أن تُخفف من مشاعر الضغط الذي عليك، فالأب عليه أن يسعى، {لينفق ذو سعةٍ من سعته} فهو مكلف بالسعي، ومكلف بالإنفاق على أبنائه، والله يحاسبنا على ما نستطيع، {لا يُكلف الله نفسًا إلا وُسعها}، {لا يكلف الله نفسًا إلَّا ما آتاها}، الإنسان يجتهد في تحسين وضعه ويبذل الأسباب، ثم يرضى بما يُقدّره الكريم الوهاب سبحانه وتعالى.

نسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد والخير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً