الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أريد أن أسعد أمي وأختي ولا أعرف سبيل ذلك.. أفيدوني

السؤال

السلام عليكم.

لدي مشكلة نفسية كبيرة، وأمي تشعر بالتعاسة جدًا بسبب حالة أختي الصحية؛ فهناك أطباء شخصوا حالة أختي بشيء، وهناك من الأطباء من ينفي وجود ذلك الشيء.

لقد تدمرت نفسيًا وأنا أحاول إسعادهما ومساعدتهما، أود لو كان هنالك دعاء أو عمل صالح يغير الحال، وأتقرب به إلى الله؛ فالله قادر على أن يطمئن قلوبنا، ولكنني أشعر بأنني لا أعرف كيف أتصرف، لا مستحيل على الله، ولكن ما هي طريقة التصرف؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ملك حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بكِ -بنتنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب.

أولًا: نسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته أن يشفي أختك، وأن يُدخل السرور والبهجة على قلوبكم جميعًا، ويصرف عنا وعنكم كل مكروه.

ثانيًا: نشكر لكِ -ابنتنا العزيزة- حرصك على إسعاد أمك وأختك، وهذه الأمنية في حد ذاتها عملٌ صالح، نرجو الله تعالى أن يثيبكِ عليه، وأن يُحسن به جزاءك؛ فما دام الإنسان يتمنى الخير فهو بخير، كما قال الإمام أحمد -رحمه الله-.

الأمر الثالث: نحب أن ننبّهك -ابنتنا العزيزة- إلى أن الله تعالى يُقدّر الأقدار، ويَلْطُف -سبحانه وتعالى- فيها بعباده؛ فهو اللطيف الخبير، واللطف معناه: إيصال الخير بطرق خفيّة؛ فربما ينظر الإنسان إلى المصيبة على أنها شرٌّ ومكروه، وهي في الحقيقة تحمل في باطنها أنواعًا من العطايا والهبات الإلهية.

وكم من مكروهٍ قاد الإنسان إلى أنواع من الخيرات، وتسبّب له في أنواع من الكرامات في دنياه وفي أُخراه، والله تعالى يقول في كتابه الكريم: ﴿وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْـًٔا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شيئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 216].

فننصحكِ -ابنتنا العزيزة- بأن تُذكّري أمكِ بهذا المعنى الإيماني العظيم الجليل، وأن الله تعالى يختبر صبر الإنسان المؤمن ويبتليه، ويعقب هذا الاختبار -إن هو صبر واحتسب وأحسن الظن بالله- الخير الكثير.

وحينما نقول "الخير"، لا بد أن نستحضر خير الآخرة، وهو الخير الدائم، والنعيم المقيم، وهي الدار الحقيقية؛ فالفائز من فاز فيها، ولو ابتُلي في هذه الدنيا بأنواع المكاره، ﴿ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ﴾ [آل عمران: 185] هكذا قال الله في كتابه الكريم.

ولنا في أنبياء الله تعالى -وهم أقرب الناس إلى الله وأحبهم إليه- لنا فيهم الأسوة الحسنة، والقدوة الصالحة؛ فكم نقرأ في القرآن من أخبار الأنبياء، وابتلاء الله لهم، فقد ابتلى الله تعالى أيوب -عليه السلام- بالمرض، وكان مرضًا شديدًا، لم يُبتلَ غيره بمثله، ثم جاء في آخر الأمر الفرج، وابتلى نبيّ الله يعقوب -عليه السلام- بفقد ولده الصغير، كما نقرأ في قصة يوسف -عليه السلام-.

وهكذا، قصص الابتلاء كثيرة، وهؤلاء هم أحبّ الخلق إلى الله، فـ(إن الله إذا أحبَّ قومًا ابتلاهم)، أي اختبرهم وقدّر عليهم بعض المكروهات في الظاهر، ولكنها في الحقيقة نعمٌ جليلة، وأعطيات كبيرة.

فذكّري أمكِ بهذه المعاني، وطيّبي قلبها بأنّ فرج الله تعالى قريب، وأنّ الله تعالى أرحم بنا من أنفسنا، وأرحم بالإنسان من أبيه وأمه، هذا الرحيم -سبحانه وتعالى- لا بد أنه يفعل الأشياء بحكمة؛ فلنقابل أقدار الله تعالى بالقَبُول والرضا ما استطعنا إلى ذلك سبيلًا، ونحتسب الأجر بقدر طاقتنا.

وأمَّا الأعمال التي بها يُغيّر الله تعالى الحال، فهي كثيرة، ماديًا ومعنويًا:

- من الأمور والطاعات المادية: التصدّق بأنواع الصدقات؛ فإن الصدقة سببٌ للشفاء، كما دلت على ذلك الأحاديث، وكم من مكروه يدفعه الله تعالى بسبب إحسان الإنسان، فيتصدق الإنسان بقدر استطاعته.

- ومن الأسباب لتغيير الحال: كثرة التوبة والاستغفار؛ فإن الله تعالى يُقلِّب الأحوال بتوبة الإنسان واستغفاره ورجوعه إليه، ولو لم يكن إلَّا أن الله تعالى يُقلِّب له الأحوال القلبية، فيُدخل السعادة إلى قلبه، ولو كان البلاء موجودًا، ويضع في قلبه الرضا واليقين، ويُدخل على نفسه أنواعًا من السرور والفرح بأقدار الله تعالى.

وأنتِ ترين على شاشات التلفزة أنواعًا من المصابين بالمصائب في بلاد الخوف، والموت، والقلق، وتجدين أنواعًا من الصبر، والرضا، والاطمئنان إلى أقدار الله تعالى، مع وجود هذه المصائب الكبيرة، لكن الله تعالى وضع في قلوب أصحابها من الرضا والنعيم ما نرى أثره على ألسنتهم من الحمد لله تعالى، والثناء، وتقبُّل هذه الأقدار المؤلمة؛ فالحالة النفسية هذه، وحُسنها، هي في الحقيقة نعمة كبيرة، ومن أهم أسبابها: كثرة التوبة والاستغفار.

أما الدعاء، فليس له حصر، فينبغي للإنسان أن يدعو الله تعالى بما شاء من الأدعية: أن يصرف عنه المكروه، وأن يشفي له المريض، وأن يغير له الحال، كقولنا: "ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقِنا عذاب النار"، "اللهم اشفِ مريضي فلانًا، واصرف عنه البأس"، "اللهم ربّ الناس، أذهب البأس، واشفِ أنت الشافي، لا شفاء إلَّا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سقمًا".

مع قراءة: سورة الفاتحة، وآية الكرسي، وخواتيم سورة البقرة، وسورة الإخلاص: "قل هو الله أحد"، والمعوذتين: "قل أعوذ برب الفلق"، "قل أعوذ برب الناس"، ويُقرأ هذا على ماء، ويشرَب منه المريض، ويغتسل منه، وهذه كلها أدعية نافعة -بإذن الله-.

نسأل الله تعالى لكم الخير كلّه، وأن يصرف عنّا وعنكم أنواع الشرور.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً